أعتقد أن حجة تقييد الهجرة تبدو مقبولة إذا نظرنا إليها بشكل سطحي، فمستويات أعداد الأميركيين المولودين في الخارج تبدو قياسية الارتفاع، مما قد يضر بالتماسك والتجانس القومي، وربما يكون على أميركا أن تتريث في قبول المزيد من المهاجرين كما فعلت في عشرينيات القرن الماضي، فقد تمخض ذلك التريث على أي حال عن أميركا متماسكة في أربعينيات القرن الماضي، منتصرة في الحرب ومتفوقة على صعيد دولي. ولكن المرء حين يفحص الأدلة والتفاصيل، يجد أيضاً أن حجة تقييد الهجرة ضعيفة في العمق بشكل مثير للشفقة. ولا يتعين على المرء أن يعتمد هنا على الأكاديميين المثيرين للضجر، بل إن كل ما عليه هو أن يستقل سيارته ويمر فقط بمنطقة الغرب الأوسط الأميركي. وحينها سيعبر مقاطعة تلو الأخرى ليرى القليل من المهاجرين. وهذه المناطق الريفية، يشكل البيض فيها عادة 95% من السكان، وتفتقر إلى التنوع الذي يحتج أنصار التقييد بأنه يضر بالنسيج الاجتماعي، فهل هذه المقاطعات تتميز بقوة التماسك الاجتماعي والحركية الاقتصادية وارتفاع الأجور والقيم الأسرية الصحية؟ لا. بل إنها، على العكس تماماً، تتميز عادة بالركود الاقتصادي والعزلة الاجتماعية وانهيار بنية الأسر، هذا فضلاً عن نسبة عالية من تفشي إدمان المخدرات. وقد ألف تشارلز موراي كتاباً كاملاً عن الانهيار الاجتماعي وسط البيض من الطبقة العاملة الذين يعيش كثيرون منهم في هذه المناطق حيث يقل عدد المهاجرين. وأشار مواري إلى أن «جدوى المشروع الأميركي قامت تاريخياً على الجد في العمل والأمانة وقيم الأسرة والتدين». ومن حقائق الحياة الظاهرة حالياً أن المهاجرين تتجلى فيهم هذه الفضائل بوضوح أكثر مما تتجلى لدى المولودين في البلاد. والأمر ليس وراثة جينية، بل إن عملية الهجرة نفسها تتطلب وتغذي هذه القيم. وتعاني أميركا إجمالاً من غياب الحيوية. ووتيرة إقامة الأنشطة الاقتصادية الجديدة في تدهور. والانتقال بين الولايات ينخفض. والأميركيون يغيرون الوظائف بشكل أقل، ويقضي عدد أكبر منهم اليوم كله حتى دون مغادرة عتبة المنزل. وهذه التوجهات تشيع إلى حد كبير وسط السكان البيض. أما المهاجرون، فهم يقدمون على تدشين أنشطة اقتصادية جديدة بمعدل يبلغ الضعف عن مثيله وسط غير المهاجرين. و70% تقريباً من المهاجرين يعبّرون عن الثقة في الحلم الأميركي مقارنة مع 50% من المولودين في أميركا. ولدى المهاجرين قيم أسرية أكثر محافظة من المولودين في البلاد، وبينهم معدلات أقل بكثير من المواليد خارج إطار الزواج. والمهاجرون يرتكبون جرائم أقل بكثير من المولودين في الداخل. فنحو 1.6% من الذكور المهاجرين في الفئة العمرية بين 18 و39 عاماً ينتهي بهم الحال إلى السجن، مقارنة مع 3.3% وسط المولودين في البلاد. ثم، ماذا عن تصاعد عدم الثقة الاجتماعية؟ في الإجابة على هذا السؤال يعتمد أنصار تقييد الهجرة على دراسة روبرت بوتنام في عام 2007 التي أشار فيها إلى أن زيادة التنوع تقود إلى ثقة أقل. ولكن بوتنام أخبرني بأنهم شوهوا دراسته. فقد ذكر أنه توصل إلى أن منافع التنوع تزيد على مضاره، وأنه صحيح أن الثقة تتقلص على المدى الزمني القصير ولكن على المدى الطويل يجد الأميركيون وسائل جديدة لدعم التماسك الاجتماعي. وماذا عن الاحتواء؟ يجادل أنصار تقييد الهجرة بأن بوتقة الانصهار مكسورة، ولكن مسحاً حاسماً للدراسات عن الموضوع من الأكاديميات القومية للعلوم الهندسة والطب توصل إلى أن هذا ليس صحيحاً. فمعظم نسل المهاجرين لا ينسبون أنفسهم إلى بلاد أسلافهم، وينظرون إلى أنفسهم ببساطة باعتبارهم من البيض. وفي إحصاء عام 2010، ذكر 53% من الأميركيين المنحدرين من أميركا اللاتينية أنهم يعتبرون أنفسهم من البيض، وهناك نسبة مماثلة من الأميركيين الآسيويين مختلطي الأعراق تتبنى التوجه نفسه. والتاريخ يذكرنا بأنه في عام 1945 كانت ألمانيا منقسمة. وكان شطر منها رأسمالياً والآخر شيوعياً. وبعد نصف قرن اتضح تماماً أن الرأسمالية نظام أكثر نجاحاً من الشيوعية. وعلى مدار العقود القليلة الماضية أجرت أميركا تجربة مشابهة بشكل غير منظم. فقد تبنى نحو 500 مقاطعة، معظمها في المناطق الحضرية، التنوع، وجذبت مهاجرين ودعمت مرشحين يؤيدون الهجرة. ولم يجتذب نحو 2600 مقاطعة، معظمها في المناطق الريفية، مهاجرين ومالت نحو انتخاب مرشحين يعارضون الهجرة والتنوع. والنتيجة كانت واضحة كما كان الحال في ألمانيا. فبين عامي 2014 و2016، ساهمت المقاطعات التي تبنت التنوع بنسبة 72% في زيادة الناتج الاقتصادي للبلاد، وبثلثي الوظائف الجديدة. وساهم 85% تقريباً من المقاطعات التي تدعم الساسة أنصار تقييد الهجرة مثل الرئيس دونالد ترامب بنسبة ضئيلة تبلغ 28% من النمو. ومشكلة الجمهوريين هي أنهم منذ أن ترك جورج بوش الابن السلطة، أصبحوا على غرار سكان ألمانيا الشرقية، ولكن في القرن الحادي والعشرين، تبنوا نموذجاً ثقافياً أنتج نمواً وحراكاً منخفضين. ولا عجب أنهم أرادوا أيضاً إقامة جدار على الحدود. ويرى تقدميون أن الجمهوريين يعارضون الهجرة بسبب التعصب. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة. بل الأكثر دقة هو أن أنصار تقييد الهجرة يتبنون نظاماً أحادي الثقافة يقوض قيمهم المتمثلة في الجد في العمل والإيمان وضبط النفس. وهم يردون بالطبع بعداء دفاعي ضد المهاجرين الذين يتفوقون عليهم في النشاط والبناء، لأن المرء يرد بطريقة سلبية لا تخلو من غيرة إذا واجه شخصاً يمثل له كل ما تمنى هو أن يكونه.