سيطرت القوات الأمنية والعسكرية المؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، وحاصرت قوات حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وقد حث التحالف العربي ممثلا في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الأطرافَ اليمنية المتصارعةَ على التحاور لإنهاء القتال. وقد تم الاتفاق على وقفٍ لإطلاق النار بعد وصول وفد عسكري من قيادة التحالف العربي، وبالفعل تم وقف إطلاق النار، وهنالك أنباء عن تغيير حكومي مرتقب. والسؤال الآن هو: هل مطالب أهل جنوب اليمن بالانفصال عن الشمال جديدة؟ الجواب: بالطبع ليست جديدة. فقد حقق جنوب اليمن استقلاله عن بريطانيا في عام 1967، وقامت به حكومة اشتراكية لم تدم طويلاً. وبعدئذ طالب قادة شطري اليمن آنذاك بالوحدة، وهو ما لم يتحقق إلا في عام 1990، وقد جرت عدة محاولات للانفصال بعد الوحدة، كانت أشهرها وأكثرها دموية في عام 1994، أعقبتها بعض المواجهات الانفصالية الأخرى انتهت بالفشل. والسؤال الذي علينا طرحه الآن: ما هي العوامل التي تدفع لقيام حركات الانفصال في اليمن؟ يحدث الانفصال في التجارب الإنسانية المتعددة عندما يستشعر ذوو الانتماءات أو الهويات الفرعية ضعفاً لدى السلطة المركزية. ومن أهم العوامل التي دفعت أهل جنوب اليمن إلى الدعوة للانفصال هو تجاهل الحكومة المركزية في صنعاء مطالب أهل الجنوب بتحسين أوضاعهم الاقتصادية بعد الوحدة، حيث ظلت الحكومة اليمنية في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح تتجاهل مطالبهم، وقد سحقت كل محاولاتهم الداعية للإصلاح وتحسين أوضاعهم. واليوم يبدو واضحاً من مطالب أهل الجنوب الذين ثاروا في عدن أن محاولتهم ليست انقلابية ضد حكومة هادي الشرعية، بل لديهم مطالب مشروعة بتحسين أوضاعهم المعيشية، من توفير المياه والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها من خدمات. فالحكومة المركزية في صنعاء فشلت طوال السنوات الماضية في استيعاب المطالب الحياتية الجنوبية، من إصلاحات سياسية أو تطوير خدمات وتحسين أوضاع معيشة لأهل الجنوب. ويؤكد المراقبون السياسيون لأحداث اليمن الأخيرة أن اليمن الموحد لن يتحقق، لكن المطالب الانفصالية سوف تؤجل حتى يتم دحر قوات الحوثيين ومن يدعمهم من الخارج، وتحديداً إيران. ما يحتاج إليه اليمن الشقيق هو الاستقرار السياسي وتحقيق التنمية الاقتصادية وتحسين الوضع المعيشي لكل السكان، لكن المعضلة الحقيقية تكمن في حقيقة أن البلد فقير في إمكانياته المادية والبشرية. بيد أن الموقع المتميز لليمن يمكن أن يجعل منه بلداً مفتوحا للتجارة. وقد أنشأ الإنجليز ميناء عدن وكان مزدهراً ونشطاً في السابق، لكن المطالبة بالاستقلال وإصرار شباب «الثورة» آنذاك على تطبيق النظام الاشتراكي الماركسي في بلد متخلف مثل اليمن الجنوبي، أدى إلى عزلة «الجمهورية اليمنية».. وبدء فصول من الحرب بين القيادات السياسية انتهت بمقتل المئات أو الآلاف من البشر. واليوم يحتاج اليمن إلى الاستقرار بعد انتهاء الحرب الدائرة التي نأمل أن تنتهي قريباً بتحرير البلاد من الحوثيين ومن النفوذ الإيراني، بالوصول إلى حل سلمي وفق قرارات الأمم المتحدة.