خلال اجتماع التأم في المدرسة الابتدائية التي تنتسب إليها ابنتاي، سأل أحد الزوّار عن عدد التلاميذ الذين يخططون للالتحاق بالجامعات، فارتفعت أيادي كل التلاميذ تقريباً. وتأمل إدارات الجامعات بأن يكون هؤلاء الأولاد صادقين في نواياهم ورغباتهم لأن الأمر كان صادماً قبل عقد مضى، وحيث هبط معدل التحاق خريجي المدارس الثانوية بالجامعات إلى مستوى ينذر بالخطر. ومن المتوقع أن يبقى عدد الخريجين الجامعيين في أميركا على مستواه الحالي تقريباً خلال السنوات القليلة المقبلة قبل أن يسجل ارتفاعاً طفيفاً في منتصف العقد المقبل. ولكن، بين عامي 2026 و2031، من المتوقع أن ينخفض عدد خريجي المدارس الثانوية المؤهلين للالتحاق بالجامعات بنسبة 9 بالمئة في الولايات المتحدة. وفضلاً عن هذا التراجع في الأرقام، فسوف يطرأ تغير نوعي على خريجي المدارس الثانوية تنخفض فيه نسبة الطلاب البيض مقابل زيادة في أعداد الطلاب من ذوي الأصول التي تعود لبلدان ناطقة بالإسبانية (من دول أميركا اللاتينية) وفقاً لما توصل إليه خبراء دراسات علم الاجتماع السكاني. ومن المتوقع أيضاً أن تتطور قدرة الطلاب على التفوّق في الدراسات الأكاديمية بالمقارنة مع العقود السابقة. وبما أن مداخيل العائلات ستبقى على حالها وفقاً لما تشير إليه دراسات اقتصادية، فسوف تزداد المتطلبات المادية للملتحقين بالجامعات. ويمكن القول بكلمة أخرى إن العقد المقبل سيتميز بالصعوبات المالية الكبيرة التي تقف حائلاً دون التحاق خريجي المدارس الثانوية بالجامعات. وها نحن نشهد منذ الآن البدايات الأولى لتأثير التغيرات السكّانية النوعية على التعليم العالي. ويشير استطلاع رأي تم إنجازه الأسبوع الماضي من طرف رابطة التسجيل الجامعي أن 52 بالمئة من الجامعات الخاصة و44 بالمئة من الجامعات الحكومية لم تحقق نسب الالتحاق المستهدفة في بداية فصل الخريف الماضي. وقالت «كاترين كوفمان» نائبة عميد معهد فرانكلن، ورئيسة قسم المساعدات المادية لطلابه الذي يوجد مقره في ولاية إنديانا: «نحن نمثل مؤسسة تعليمية باهظة التكلفة، وبحيث باتت النتائج المنتظرة من الدراسة في معهدنا قضية حساسة أكثر من أي وقت مضى، ويريد الطلاب وأولياء أمورهم أن يتأكدوا من أن التكاليف المادية التي يدفعونها ستؤدي إلى نتائج مرضية». وخلال العام الماضي، قمت بإنجاز دراسة استطلاعية تنبؤية حول معدلات التخرج من المدارس الثانوية في الولايات المتحدة كلها. ووجدت أن أميركا ستدخل مرحلة طويلة من الاختلاف في تلك المعدلات بحسب المناطق. واستنتجت أن المناطق الجنوبية والغربية ستستأثر بكل الزيادة المتوقعة في أعداد طلاب المدارس الثانوية خلال العقد المقبل. وفي الوقت نفسه، وجدت أن المناطق الشمالية الشرقية والغرب الأوسط شهدت تراجعاً متواصلاً في تلك الأعداد. وفيما يتعلق بتكاليف انتقال الطلاب إلى جامعاتهم البعيدة، كنت أتساءل عما إذا كان الجيل المقبل من الطلاب الجامعيين سيقبل بالظروف التي كان يعاني منها أسلافهم عندما كانوا يقطعون مسافات كبيرة للوصول إلى جامعاتهم والعودة منها، فاستنتجت أنهم لن يتمكنوا من فعل ذلك بشكل عام لأسباب مادية، وبرغم أن العديد من المدارس بدأت بتوسيع مناطق انتشار خدماتها لقبول التلاميذ عن طريق الاقتراب منهم، فإن أعداد الطلاب الجامعيين الذين يقبلون ركوب الطائرات أو قيادة سياراتهم لبضع ساعات يومياً من أجل الوصول إلى جامعاتهم لا تنمو بنفس معدل تزايد رقعة انتشار المدارس الثانوية. وقبل عدة أسابيع، قرأت كتاباً بعنوان «الإحصائيات السكانية والطلب على التعليم العالي» لمؤلفه ناثان جراوي، وهو أستاذ الاقتصاد في معهد كارلتون في ولاية مينيسوتا الذي يتناول بالتفصيل ظاهرة التراجع العام في أعداد خريجي المدارس الثانوية. وأشار في كتابه إلى أن أكبر أسواق المدارس الثانوية الخاصة في الولايات المتحدة التي تقع في مدن نيويورك وفيلادلفيا وبوسطن، ستشهد انخفاضاً بنسبة 15 بالمئة في عدد خريجيها الذين سيلتحقون بالجامعات، وتنبأ بأن ينخفض مجموع عدد طلاب معاهد الأربع سنوات في الولايات المتحدة بنحو 280 ألف طالب في أواخر العقد المقبل، ونتيجة لذلك سوف تغلق بعض المدارس ذات الإمكانات الضعيفة أبوابها. وإذا كنا لا نتوقع أن يلحق بالمعاهد نفس المصير وبأعداد كبيرة، إلا أن العديد منها سوف يضطر إلى الاندماج، أو الدخول في شراكات مع المدارس التي تعاني من الظاهرة ذاتها. جيفري سيلينجو* *خبير أميركي في الشؤون الأكاديمية وأستاذ مادة الممارسة المهنيّة بجامعة أريزونا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»