استضافت الهند الزعماء العشرة لمنظمة «رابطة دول جنوب شرق آسيا» (آسيان) في قمة آسيان-الهند التي تحتفل بمرور 25 عاماً على علاقات الهند بالرابطة، كجزء من جهود أكبر ديمقراطية في العالم لزيادة حضورها في منطقة الهند والمحيط الهادي. واعتُبر الزعماء العشرة جميعاً من كبار الزوار في الاحتفال السنوي باليوم الجمهوري في الهند وهو من الأعياد القومية. وفي الاحتفال بهذا اليوم الذي يشهد استعراضاً لقوة البلاد العسكرية، ويتم خلاله إبراز تنوع الهند الثقافي، يكون كبير الزوار عادة من دول تعتبرها الهند مهمة وتحرص على تعميق علاقاتها معها. وتضم رابطة «آسيان» كلاً من: إندونيسيا وسنغافورة والفلبين وماليزيا وسلطنة بروناي وتايلاند وكمبوديا وجمهورية لاوس وميانمار وفيتنام. وشعار القمة الاحتفالية لهذا العام «قيم مشتركة ومصير مشترك» بين الهند وآسيان. والشعار يوضح نقاط الاشتراك الكثيرة بين الهند وجنوب شرق آسيا بصرف النظر عن علاقات التقاليد والحضارة. وكان من العناصر المحورية في القمة تعميق العلاقات البحرية والتعاون الأمني مع دول رابطة «آسيان»، التي حثت الهند على لعب دور أكبر في الهند والمحيط الهادي في غمرة الجرأة المتنامية للصين. والعلاقات بين الهند ودول «آسيان» تتنامى باطراد، وأصبحت أكثر تركيزاً في السنوات القليلة الماضية في غمرة المخاوف المتبادلة بشأن تنامي قوة الصين. وبين الهند والصين نزاع حدودي وشبه القارة يتزايد قلقها من الحضور الصيني المتنامي في الجوار الهندي، بما في ذلك المحيط الهندي من خلال مشروعات تنموية في سريلانكا والمالديف وباكستان وبنجلاديش. وفي الوقت نفسه، لدى عدد من دول «الآسيان»، من بينها فيتنام، نزاعات على الأراضي مع الصين في بحر الصين الجنوبي. وقدمت الهند مجموعة من المقترحات في القمة لتعميق العلاقات مع تجمع آسيان. وتضمنت المقترحات عدداً من المشروعات الأصغر لتعميق الروابط. وأعلن رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» أن الهند ستقوم بمشروع استطلاعي للربط بين الريف لإقامة قرى رقمية في كمبوديا ولاوس وميانمار وفيتنام، وأعلنت أيضاً عن 1000 منحة دراسية للطلاب والباحثين من دول «آسيان» يعدون لرسائل الدكتوراه في «المعهد الهندي للتكنولوجيا» صاحب السمعة الطيبة عالمياً والمكانة المرموقة بين المعاهد العلمية الأخرى. واقترح «مودي» أيضاً إعلان 2019 أن يكون «عام السياحة لآسيان والهند». ويسعى «مودي» جاهداً كي يدعم علاقات الهند مع جنوب شرق آسيا، بل وغيّر تسمية سياسة «النظر شرقاً» إلى سياسة «العمل شرقاً». وقبل الجلسة العامة، تواصل «مودي» مع الزعماء العشرة لدول «آسيان» كل على حدة، وسعى إلى تأكيد جهود تعميق العلاقات مع كل دولة من دول الرابطة. وأثناء اجتماعاته الثنائية مع كل من رئيس وزراء فيتنام «نجوين شوان فوك»، ورئيس وزراء سنغافورة «لي هسين لونج» والرئيس الفلبيني «رودريجو دوتيرتي» وزعيمة ميانمار أونج سان سو كي، التي تشغل حالياً منصب مستشار الدولة، أكد «مودي» على أن منطقة الهند والمحيط الهادي يربطها «مصير مشترك وستظل دوماً لا يمكن الاستغناء عنها» من أجل مستقبل أفضل للدول. وهذا مؤشر واضح على تطلع الهند بشكل متزايد إلى الشرق. ومسعى الجمع بين قوى «آسيان» أصبح جزءاً من سياسة خارجية أوسع للهند شهدت أيضاً تقارباً أكبر مع الولايات المتحدة. فقد انضمت الهند في الآونة الأخيرة إلى تجمع رباعي الأطراف يضم أستراليا واليابان والولايات للحفاظ على حرية الملاحة البحرية في منطقة آسيا والهادي. والواقع أن الهند أكدت أن شعار القمة يجب أن يكون التعاون البحري والأمني، وظل محور المناقشات بين زعماء «آسيان» أثناء الاستجمام في منزل الرئيس هو التعاون البحري. وصرح «مودي» أن الهند تشترك مع آسيان في رؤيتها للسلام والرخاء من خلال نظام قائم على القانون البحري واحترام القانون الدولي، وتحديداً معاهدة الأمم المتحدة للقانون البحري. وتصريح مودي يشير ضمناً إلى الصين التي بينها وبين عدد من الدول نزاعات على الأراضي في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. والجدير بالذكر أن المجتمع الدولي حث الصين على احترام حرية الملاحة البحرية. وهناك القليل من الشك في أن الهند، في ظل صعود الصين، تعمل لتعزز علاقاتها مع الدول الآسيوية الأخرى التي تتقاسم معها مخاوف مشابهة عن صعود الصين. و«آسيان» تمثل تكتلاً مهماً، ومن المحوري أن تعمق الهند علاقاتها البحرية معه. كما أصبحت حماية الممرات البحرية أمراً حيوياً في غمرة مباراة القوة في المنطقة. وفي هذه المباراة تلعب الصين في جانب، والجانب الآخر تتزعمه الولايات المتحدة، ولا يقتصر على اليابان والهند وأستراليا فقط، بل يضم أيضاً عدداً كبيراً من الدول الأعضاء في «آسيان». لكن الواقع أن علاقات الهند التجارية مع دول «آسيان» ظلت متواضعة مقارنة بالعلاقات التجارية بين الصين و«آسيان». وإذا كانت الهند تريد حقاً التصدي للطموحات الصينية، يتعين عليها أن تعزز علاقاتها بشكل أكبر مع الدول الأخرى في آسيا، وألا تتردد في أن تقدم لنفسها صورة باعتبارها قوة دولية صاعدة. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي