انطلاقاً من دورها في خدمة كل القضايا التي تعزز الجانب المعنوي والأخلاقي للإنسان، والعمل على تخليد أدوراه في الإنجاز والبناء، تأتي المبادرات المتعددة التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة من حين لآخر لتثمين التراث الإنساني وصيانته والارتقاء بدوره في كل الفترات، ممثّلة في القرارات المتتالية التي تصدر عن القيادة الرشيدة للدولة وما يواكبها من إنجاز على أرض الواقع من قبل مختلف الجهات الحكومية والخاصة. ولعل من بين أبرز القرارات المؤسسية التي تم اتخاذها في هذا السياق، خلال العشرية الأخيرة، إنشاء هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في عام 2005 كجزء من استراتيجية إدارة تراث إمارة أبوظبي، وهي استراتيجية تقوم على حماية وإدارة وتعزيز الإرث الثقافي الوطني ودعم وتشجيع الروح الإبداعية في ميادين الفن والثقافة وإشراك المجتمع الأهلي عبر تزويده بالوسائل التي تساعد على تنمية التعبير الثقافي والمعرفة، بالإضافة إلى إثراء الإنتاج الثقافي، وتشجيع الفنون الجميلة وإظهار التراث الإسلامي والعربي على نطاق البلد والمنطقة. ونظراً إلى زيادة حجم التحديات التي باتت تهدد التراث العالمي في المنطقة، من جراء انتشار عصابات تهريب الآثار في ظل أجواء الحروب والنزاعات، كان لابد من وضع آلية جديدة لصيانة الآثار الإنسانية، ولهذا استحدثت شرطة أبوظبي مؤخراً فرعاً جديداً لمكافحة تهريب الآثار، أو ترويجها بصورة غير مشروعة، مع تقديم التوعية في هذا المجال. وهي خطوة تعكس تعدد الأدوار التي يمكن أن تلعبها الشرطة في المجتمعات المتقدمة، وتبرهن على أن دورها بات يتجاوز التحقيق والتحرّي في القضايا الجنائية إلى لعب أدوار إضافية في حماية الثقافة الإنسانية التي باتت دولة الإمارات إحدى أبرز الدول الحاضنة لها في المنطقة. وهو ما فسره مدير مديرية التحريات والتحقيقات الجنائية بالإنابة العميد طارق خلفان الغول، بقوله إن مواكبة متطلبات الدولة العصرية، وتعزيز منظومة العمل الأمني في بلد يزخر بالمتاحف العالمية والمحلية ذات السمعة الدولية المرموقة، يتطلب وجود شرطة قادرة على التعامل مع المعطيات الجديدة للجريمة كتوفير الحماية المطلوبة للآثار وملاحقة مهربيها ومروجيها. إضافة إلى التواصل مع الجهات المختصة والعمل معها كفريق واحد من أجل حماية الآثار من الطامعين والمتربصين. ويعتبر إنشاء فرع الشرطة الجديد المتخصص بحماية الآثار، ترجمة عملية للقانون الاتحادي رقم 11 لسنة 2017 بشأن الآثار، الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بهدف الحفاظ على الآثار الثابتة والتراث الثقافي، وتعزيز الهوية الوطنية، والكشف والتنقيب عن الآثار، وإحياء التراث الوطني للدولة وإثرائه. وهو قرار سيادي جاء مواكباً لاحتضان العاصمة أبوظبي أول نسخة خارجية لمتحف اللوفر. وبذلك تكون دولة الإمارات العربية المتحدة بشهادات عالمية قد استحقت بجدارة المكانة التي تحتلها اليوم على الخريطة التراثية العالمية، حيث استطاعت أن توائم بنجاح بين ثقافتها المحلية ومختلف ثقافات العالم المعاصر، وهو ما يعود إلى رؤية قيادتها الرشيدة وعمق استراتيجيتها القائمة على نشر ثقافة الحب والتسامح والانفتاح واحترام الآخر، وإتاحة المساحة الواسعة للمقيمين والزوار للتعرف على المخزون الحضاري للدولة. فشكلت المهرجانات الثقافية والتراثية التي تقام على مدار العام داخل الدولة مناسبات مفتوحة للتعرف على الثقافة الإماراتية وبقية الثقافات التراثية الأخرى. إن تركيز دولة الإمارات على حماية التراث العالمي وانخراطها في المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة في صيانته ومشاركتها في المؤتمرات والفعاليات الرامية إلى تثمينه تعد جزءاً من استراتيجيتها الوطنية الشاملة لحماية الإرث الإنساني حيث وجد، وهي تكرس بذلك جمعها بين الحفاظ على الخصوصية والانفتاح على الآخر، وذلك انطلاقاً من أن استمرار مسيرة التطور تتأسس في جزء منها على المخزون الثقافي والتراثي للشعوب. ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.