أعداد كبيرة ومتزايدة من النساء تذهب إلى العمل عبر مختلف بلدان العالم الإسلامي. ففي ظرف نحو عشر سنوات فقط، انضمت ملايين النساء إلى القوة العاملة، مما أتاح لهن إمكانية الكسب، ومزيداً من القوة الشرائية، واستقلالية أكبر. وفي كتاب «نهوض الخمسين مليون»، تسلّط عالمة الاقتصاد الباكستانية سعدية زهيدي الضوء على هذه الثورة الكبيرة والصامتة في آن واحد، من خلال قصص نساء يوجدن على الخطوط الأمامية لهذا التحول. ومن هؤلاء عاملة في مطعم ماكدونالدز للوجبات السريعة في باكستان، تسلّقت المراتب لتصبح مديرة، ومؤسِّسة شركة ناشئة للملابس على الإنترنت في إندونيسيا، وأرملة في القاهرة تدير شركة تموين مع ابنتها (ضد رغبة ابنها)، ومديرة في شركة سعودية تساهم في تغيير ثقافة مكان عملها.. مع أخريات كثيرات. هؤلاء النساء يتحدين الأعراف العائلية والاجتماعية. ولعل الأهم من ذلك أنهن يكتسبن القوة الاقتصادية التي ستقلب المعايير الثقافية المترسخة، وتعيد تشكيل الكيفية التي يُنظر بها إلى النساء في العالم الإسلامي وخارجه، وتغيير عقلية الجيل المقبل. زهيدي، التي تشغل منصب مديرة التعليم والنوع والعمل في المنتدى الاقتصادي العالمي، تأخذ القارئ في جولة عبر 16 بلداً في آسيا والشرق الأوسط والخليج العربي، حيث تركّز على بحث القيود المجتمعية والثقافية التي تحول من دون الاستفادة من مواهب وطاقات الكثير من النساء المسلمات، ما يحرمهن من حقوقهن ويجعلهن غير قادرات على بلوغ كامل إمكاناتهن، لكنها تشير أيضاً إلى التحولات الكبيرة التي حدثت خلال العقد الماضي، ومكّنت النساء من الوصول إلى سوق العمل بطرق لم تكن متاحة لأمهاتهن وجدّاتهن. هذه «الثورة القوية» أخذت تغيّر اقتصادات وثقافات، وتتحدى معايير وأنظمة مجتمعية بطريركية بالنسبة للنساء، من باكستان والأردن ومصر إلى السعودية وإندونيسيا. وهو تغيرٌ كثيراً ما يقابَل بمقاومة قوية من النساء الأكبر سناً –اللاتي يمثلن في كثير من الأحيان «حاميات القواعد الاجتماعية»– وطبعاً من الرجال أيضا، كباراً وشباباً، الذين يجدون صعوبة في مواكبة التغيير. بعض أبرز الشهادات التي استقتها زهيدي، والتحليلات التي تقدمها، تتعلق بباكستان التي نشأت فيها وترعرعت. في هذا البلد يستطيع المرء الوقوف بشكل ملموس على الانفصام الموجود بين المستويات القياسية للنساء في التعليم العالي، وتخرج أعداد مهمة منهن كطبيبات مثلًا، والممارسات الثقافية التي تعني أن النساء يُتوقع منهن أن يتزوجن في سن مبكرة وأن تكون لهن أُسر في وقت مبكر ويتخلين عن طموحاتهن. كما نتعرف إلى نساء في باكستان ومصر والأردن وإيران يستخدمن التكنولوجيا والإنترنت لإنشاء بوابات طبية وإدارة مبادرات للنقل من مناطقهن، ما مكّن نساء أخريات من الوصول إلى خدمات ما كن ليصلن إليها بطرق أخرى بسبب نوعهن. كما غيّرت التكنولوجيا الكيفيةَ التي تشتغل بها النساء، من المنزل في كثير من الأحيان، حيث ينشئن شركات ويطلقن مشاريع ويكسبن مالًا. ونلتقي عاملات في مطعم للوجبات السريعة يتدرجن في المسؤوليات ويتسلقن السلم المهني، لكنهن يضطررن بالتوازي مع ذلك للصراع مع مواقف عائلاتهن المحافظات بسبب أزياء عمل الشركة «الغربية». كما نلتقي رؤساء ومديرين تنفيذيين لشركات يتبنون عمليات إعادة هيكلة من أجل ضمان منح النساء فرصاً أكبر للنجاح. وبشكل عام، ترسم زهيدي صورة متفائلة عن الجهود التي تبذلها الحكومات من أجل القيام بتغييرات بنيوية قصد زيادة المساواة بين الجنسين. والنتيجة تبعث على التفاؤل. إذ في غضون عشر سنوات فقط، انضمت أكثر من خمسين مليون امرأة مسلمة إلى القوة العاملة، متحديات الوضع القائم في مجتمعاتهن وخارجها. فاستطعن تحقيق استقلاليتهن الاقتصادية والتحكم في حيواتهن. محمد وقيف الكتاب: نهوض الخمسين مليون... جيل النساء العاملات الجديد الذي يغيّر العالم الإسلامي المؤلفة: سعدية زهيدي الناشر: نايشن بوكس تاريخ النشر: 2018