لم يعد لنا المتسع من الوقت لخوض تجارب في المجال السياسي الكويتي، فالأوضاع تتغير بدرجة عالية وسريعة، وكثير من المعادلات السياسية تغيرت، ومن ثم الواقع الجديد يتطلب فطنة ويستوجب وضع تصورات مستقبلية عملية تتماشى مع طبيعة الأحداث السريعة. والمتابعون يدركون أن هناك تغييرات لا نعلم أبعادها إلا أنها حادثة في أي لحظة، وغياب المبادرة يقود إلى مضاعفات خطيرة. في الحالة الكويتية، هناك تذبذب وغياب للرؤية المتكاملة وتشتت وغياب التنسيق بين أجهزة الدولة. وما يزيد العلة أن لدينا بعض من الوزراء يعملون لصالح السلطة التشريعية خوفاً من الاستجواب، وهذا يجعل الحكومة لا تشكل جبهة متماسكة مما يضعف السلطة التنفيذية. إضافة إلى الصراع الخفي بين بعض رموز أسرة الحكم الذي تزايد في الآونة الأخيرة، وهو مصدر توتر وإضعاف لمؤسسة الحكم التي نحرص عليها، كونها أحد أهم ركائز الاستقرار السياسي. لعل أبرز الأحداث تكمن في العلاقة مع حركة «الإخوان»، فهي حركة براجماتية متمكنة، استطاعت لعقود طويلة التمكن من كثير من المؤسسات، واستطاعت اختراق كثير من الحواجز الحمراء. وما يُؤخذ على الحكومة بأنها تتعامل على واقع حسن النوايا، بينما نعرف أن أي حركة إسلامية سياسية هدفها السلطة. والأمر الثاني يتجلى في الصراع مع الديمقراطية وكيفية تطويعها، وهي لعبة سياسية تجرى في معظم الديمقراطيات، إلا أنه في الحالة الكويتية محاولات للتنويع بائت بالفشل ومن ثم اختيارات الحكومة لدعم هذا أو ذاك من أعضاء البرلمان أوقعها في مطبات لكونها اختيارات غير ناجعة، بل نعتبره عبئاً على الحكومة، فبعض من هؤلاء يضعف الحكومة ويسيء للمؤسسة التشريعية. كما أن غياب التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بعث برسائل خاطئة إلى عامة الناس، بل وصل الأمر إلى تمكن السلطة التشريعية من صنع القرار الحكومي، وتدخلها السافر في اختصاصات الحكومة. إذن مراجعة وإعادة تقييم الديمقراطية أصبحتا مسألتين مستحقتين، و لا مفر من معالجة الثغرات السياسية التي باتت تقلق المجتمع. ما يعيب المشهد الكويتي سطوة المجاملات السياسية، وغياب الجدية في مواجهة أزمات كبيرة مثل الفساد الإداري والمالي، وتمكن بعض من ذوي النفوذ من الأسر التجارية، بحيث حدث انقسامٌ بيني ويشعر بعضها بعزلة لسطوة البعض الآخر. فالتوجه العام يتسم بمزيد من الانقسامات الحادة والمقلقة، إذا ما كتب الاستمرار في نهج الإدارة. الأوضاع بمجملها بحاجة إلى إعادة تقييم، وخصوصاً بسبب سرعة التغيير وجهل كثيرين بعواقبه. الأمر الآخر والأخير هو الجيوش الإلكترونية الفوضوية التي خرجت عن نطاق السيطرة، والخطورة فيها بأننا ندرك أن بعض من المتنفذين يديرون مثل هذه الشبكات، ما يؤدي إلى مضاعفة الفوضى والتشويش وتغييب الرؤية الفاعلة في ظل أوضاع ومستجات يُصعب التنبؤ بها. د.علي الطراح* ـ ـــ ـ ـ ـ ــ * أستاذ بجامعة الكويت ورئيس معهد الدراسات القانونية والسياسة الدولية الفرنسي