منذ أن غادر بول بريمر الحاكم الأميركي للعراق، بعد الاحتلال في عام 2003، والعراق يمر بمرحلة شنيعة من التدمير الداخلي، فمنذ انتخابات عام 2006 والأوضاع من سيئ إلى أسوأ. وبعد 15 عاماً نتساءل آسفين على بلاد الرافدين: ماذا بقي من العراق كدولة عربية موحدة؟ والتساؤل الأبسط من ذلك: لماذا يشارك الشعب العراقي في انتخابات نتائجها محسومة مسبقاً؟. لقد شكلت أول حكومة مؤقتة بعد مجلس الحكم الذي أسسه الاحتلال، وترأس إياد علاوي رئاسة الوزراء في الفترة من 28 يونيو 2004 إلى 6 أبريل 2005، وشهدت فترة حكمة القصيرة تنفيذ عمليات عسكرية لمواجهة «جيش المهدي» في النجف، ثم امتدت العمليات إلى الفلوجة والرمادي، في عملية عسكرية واسعة، مستعيناً بالقوات العراقية والقوات متعددة الجنسيات بحجة القضاء على الإرهاب. وفي انتخابات عام 2006 سيطر «حزب الدعوة» على مقاليد الحكم في العراق كأول حزب شيعي يسيطر على الحكم في دولة عربية، لتبدأ أطول عملية تفتيت طائفي لبلد عربي بقيادة نوري المالكي صاحب مقولة «أنا شيعي أولًا، عراقي ثانياً»! فشهد العراق إبان فترة حكمه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد أبناء العراق من السُّنة، بعمليات التطهير الطائفي في بغداد وحزامها، امتداداً إلى محافظة ديالى لتتجذر الطائفية قولاً وممارسة في تفتيت للعراق، واستلاب لقراره السياسي في طهران، فيما انتشر الفساد في جسد الدولة العراقية، منهياً ولايتيه، من 2006 إلى 2014، بسقوط مخزٍ لمدينة الموصل وتسليم مفاتيحها لتنظيم «داعش»! وجاء حيدر العبادي حاملًا راية محاربة الفساد والقضاء على الإرهاب ليبدأ بحربه على تنظيم «داعش»، ويشرعن ضم «الحشد الشعبي» الشيعي للقوات العراقية النظامية. ونجح العبادي بدعم عراقي وإقليمي ودولي في «ترميم» أضرار حقبة المالكي، ونجح في هزيمة تنظيم «داعش»، فيما ظلت الدولة العراقية مرهونة بنظام المحاصصة والطائفية. لقد ظهرت الانقسامات السياسية على الساحة العراقية على أساس طائفي- مذهبي- إثني وقومي، ولم تشهد الساحة السياسية العراقية أي محاولات جادة لبناء أطر سياسية وطنية، عابرة للطوائف والإثنيات، بل على العكس من ذلك تعززت الانقسامات الطائفية، وتجذرت في المجتمع والممارسات، وهو ما انعكس على الدوام على الائتلافات والأحزاب التي خاضت الانتخابات السابقة والحالية، وكذلك الائتلافات التي تشكلت لخوض انتخابات 12 مايو 2018. فالأحزاب السياسية تتمحور حول أشخاص وعائلات معينة، بلا أهداف سياسية وطنية، وبلا برامج اقتصادية تهدف بالأساس للقفز إلى السلطة وتقاسم «المغانم» بين الاتباع، دون الالتفات للمواطن العراقي، وهذا ينطبق على معظم الأحزاب السياسية الإسلامية والعلمانية على حد سواء. ولكن المستجد على الساحة أن «حزب الدعوة» أعلن انسحابه من الانتخابات على أن يخوضها كل من أمين عام الحزب نوري المالكي، بصفته الشخصية، على رأس ائتلاف «دولة القانون»، ورئيس الحكومة الحالي، حيدر العبادي بائتلاف آخر، تحت اسم «النصر والإصلاح،»، ويشكل كل منهما قائمته الانتخابية الخاصة. ومن الملاحظات الجذرية لمتابعي الشأن العراقي أن أقدم الأحزاب العراقية «حزب الدعوة»، المُنشأ في العام 1957، لن يتخلى عن أهم مكاسبه بعد سقوط نظام صدام حسين الذي حاربه لسنوات. وسيتم التسويق للانشقاق على أنه تغيير، ولكن في الواقع هو جزء من تكتيكات الحزب للتكيُّف مع المستجدات، وضمان الوصول إلى الحكم عن طريق أي من القائمتين. وبالتالي استمرار سيطرة «حزب الدعوة» على السلطة العراقية، وكذلك استمرار التشظي البالغ في الساحة السياسية، والتدخلات الأجنبية السافرة في رسم خريطة القوى والتحالفات السياسية، فإيران لن تتخلى عن مكاسبها بالسيطرة على القرار العراقي. ثم ماذا بعد الانتخابات؟ سيستمر حكم العراق وفق نظام المحاصصة الطائفي القائم، وستظل ذات الوجوه الممسكة بزمام السلطة على رغم كل ما ذكر سابقاً من عمليات تدمير ممنهجة للعراق كدولة موحدة، وسترفع يافطات جديدة لأحزاب قديمة، وسيظل «حزب الدعوة» هو اللاعب الرئيسي على الساحة العراقية. -------------- * كاتبة إماراتية