تولي دولة الإمارات اهتماماً متزايداً بالتعليم المهني والفني، وتعمل على تطويره بشكل متواصل، لارتباطه الوثيق الصلة بتنمية المهارات والقدرات التي يحتاج إليها أبناء الوطن للمنافسة في سوق العمل، وخاصة في المجالات التي تحتكرها العمالة الوافدة، من بينها مجال التمريض والقطاع الطبي بوجه عام، الذي ما تزال نسب التوطين فيه متدنية بصورة ملحوظة، وفقاً للإحصائيات الرسمية المعلنة، لكن مع ذلك، فإن هناك محاولات مستمرة لبناء كوادر مواطنة قادرة على المنافسة في هذا المجال الحيوي، وغيره من المجالات الفنية المتخصصة، ولعل من المؤشرات المهمة في هذا السياق ما أعلنه مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني مؤخراً، أنه نجح في توظيف مجموعة من المواطنات خريجات كلية فاطمة للعلوم الصحية، للعمل في قطاعَي التمريض والعلاج الطبيعي، بمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي لأول مرة، بعد أن أثبتت المواطنات تفوقهن الكبير وامتلاكهن المواصفات والشروط كافة للعمل في كلا التخصصين وفق أرقى المقاييس الدولية. ولا شك في أن التحاق المواطنات بقطاعَي التمريض والعلاج الطبيعي يعد شهادة على كفاءة منظومة التعليم الفني المتخصص في الإمارات، ومؤشراً إلى مخرجاتها النوعية، وتعد كلية فاطمة للعلوم الصحية، التابعة لمعهد التكنولوجيا التطبيقية، نموذجاً لهذا التعليم المتطور، ليس فقط لأنها تقوم بدور حيوي في رفد القطاع الصحي بمواطنين مؤهلين في التمريض والعلاج الطبيعي في العديد من مؤسسات الرعاية الصحية، وإنما أيضاً لأنها تمتلك مرافق ومختبرات طبية وعلمية حديثة ضمن حرم جامعي مجهز بأحدث التقنيات والوسائل والآليات المتخصصة، وهذا أمر ينطوي على قدر كبير من الأهمية، لأنه يعني أن الكلية، وغيرها من المؤسسات التعليمية المماثلة، قادرة على سد النقص في مجال التمريض والعلاج الطبيعي خلال السنوات المقبلة، خاصة مع زيادة التوسع وتنامي الاستثمارات في تقديم الخدمات الصحية. إن المخرجات النوعية للتعليم الفني والمهني لا تقتصر فقط على مجال التمريض والعلاج الطبيعي، وإنما تتضمن أيضاً العديد من المجالات النوعية الأخرى، وخاصة في مجال التكنولوجيا الحديثة والهندسة والطاقة النووية، فهناك منظومة من المعاهد والكليات المتخصصة التي تعمل على بناء قاعدة من الكوادر الوطنية من علماء ومهندسين وفنيّين، استجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإمارات، لعل أبرزها معهد التكنولوجيا التطبيقية الذي تأسس عام 2005، حيث يضم مؤسسات للتعليم العالي متخصصة وراسخة في مجالات الملاحة الجوية، والصناعة الحديثة والتكنولوجيا، كما أن «بوليتكنك أبوظبي» التي تم تأسيسها عام 2010، تستهدف توفير الكوادر المواطنة المؤهلة والمرخصة للعمل في قطاعات الطاقة النووية السلمية، وتكنولوجيا الهندسة النووية، وتكنولوجيا الهندسة الكهروميكانيكية، وتكنولوجيا هندسة البترول، وتكنولوجيا هندسة أمن المعلومات. وتتبلور فلسفة «بوليتكنك أبوظبي» في التعاون الوثيق مع قطاع الصناعة، حيث تتكفل الشركات الوطنية الصناعية، مثل مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، وشركة استثمارات التكنولوجيا المتطورة في توفير التدريب العملي والميداني اللازم، في حين تغطي بوليتكنك أبوظبي الجانب الأكاديمي والمختبري. فضلاً عن وجود العديد من المعاهد التعليمية المتخصصة في المجالات الحيوية، كمعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا الذي يعنى بالدراسات العليا وبحوث الطاقة المتجددة، وكلية الإمارات للطيران التي استطاعت منذ إنشائها أن تقوم بدور مهم في تدريب الكفاءات الوطنية في مجالات المراقبة الجوية، وهندسة الطيران، وصيانة الطائرات. إن التعليم الفني والمهني لم يعد يمثل فقط الخيار الأمثل الذي يقدم أفضل الإمكانات من أجل تأمين فرص العمل للمواطنين، وإنما أصبح ضرورة لمواكبة متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة في المجالات كافة، وخاصة أن الإمارات تشهد نمواً في العديد من القطاعات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية، الأمر الذي يتطلب العمل على إعداد قاعدة كبيرة من الكوادر المواطنة المؤهلة للعمل في هذه المجالات، وبما يواكب الأهداف الرئيسة لرؤية الإمارات 2021 التي تستهدف زيادة نسبة الأيدي العاملة الإماراتية، وزيادة مشاركتها في مختلف مواقع العمل الوطني، وتحقيق أهداف سياسة التوطين. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية