أثار أداء أذون الخزانة الأميركية في عام 2017 حيرة كثيرين، حيث ظلت السندات يتم التداول فيها إطار سعري معين وفي سياق نمو أعلى وسعر فائدة قيده بنك الاحتياط الفيدرالي تجاوز التوقعات الأولية للسوق، ولذا يجب ألا نستغرب أن الزيادة في الآونة الأخيرة في العائدات أدت إلى ردود فعل كثيرة تضمنت تحذيرات تشير إلى أننا قد نكون في نهاية واحد من أكبر الأسواق المنتعشة في التاريخ الحديث للدخل الثابت. وصحيح أن المستوى المحدد من العائدات مهم لكن طبيعة الحركة لأعلى ومحركاتها تلعب دوراً مساوياً إنْ لم يكن أكبر في تحديد تأثيرات الاقتصاد الأوسع نطاقاً وتأثيرات السوق. والعائد الاسترشادي على سندات الحكومة الأميركية جرى تداوله في إطار 30 نقطة أساس معظم العام الماضي. وكان من اللافت للانتباه غياب العائدات الأعلى والتقلب الأكبر في أسواق السندات مع الأخذ في الاعتبار ما حدث في مناطق أخرى في الأسواق والاقتصاد. ومن الطبيعي أن يرتبط تصاعد أسعار الأسهم في عام 2017، متضمناً عمليات إغلاق يومية قياسية الارتفاع لمؤشر «داو جونز» الصناعي، بزيادة في العائدات. والشيء نفسه يصدق على الارتفاع في الآونة الأخيرة في النمو العالمي، الذي يحدث في الوقت نفسه وسط اقتصاديات كبيرة، وهو نمو يحركه في جانب أكبر منه القوى الاقتصادية الحقيقية، كمقابل للقوى المالية، الذي تزايدت حساسيته للتفاعلات التعزيزية في الاستهلاك والاستثمار والتجارة. وإذا لم يكن هذا كافياً لرفع العائدات وجعلها أكثر تقلباً، فمن المؤكد أن اتباع بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسة أكثر تشدداً قد يكون لها التأثير نفسه. وأشير إلى أسباب كثيرة ينسب إليها النتيجة المفاجئة للعام الماضي، وامتدت هذه الأسباب من تأثير «التدفقات غير التجارية»، وخاصة مشتريات الأوراق المالية من «بنك اليابان» المركزي و«البنك المركزي» الأوروبي، وأيضاً الاستثمار الذي تحفزه الاستحقاقات من مؤسسات استثمارية إلى الشكوك بشأن الاستمرار متوسط المدى لتعافي النمو. وفي ظل وجود أسئلة بشأن الدور المتواصل لهذه العوامل التي تتضمن احتمال أن يخفف البنك المركزي الأوروبي مشترياته بمعدل أسرع، فقد تصاعدت العائدات حول العالم المتقدم وأصبحت أكثر تقلباً نوعاً ما في الأسابيع القليلة الماضية. والمدى الذي تنتهي إليه العائدات خلال عام 2018 سيكون له تأثير بالطبع على الأسواق والاقتصاد، فهي تلعب دوراً مهماً في التأثير على الأسعار في الأسواق، وخاصة الأعداد الكبيرة في الأصول التي تعكس تدفقات مخفضة في النقد. وتؤثر أيضاً على الاقتراض والائتمان وأنشطة الرهون العقارية. ويمكن أن يكون لها تأثير غير مباشر على النمو من خلال أسواق العملات الأجنبية. والطريقة التي يتم الوصول بها إلى هذه العائدات المرتفعة، لها الأهمية نفسها على الأقل. وتأثيرات القفزات الكبيرة تكون أشد عرقلة عادة للاقتصاد من الزيادات التدريجية، التي تتضمن ارتفاع احتمال الخفض غير المنظم في الديون للأسر والشركات التي تم تمديد فترة سدادها بشكل كبير والمدينة بشكل كبير. والعوامل التي تؤدي إلى العائدات الأعلى مهمة أيضاً. ومن أجل التوضيح، نقول إن التأثيرات المناوئة للأسواق والاقتصاد تكون أقل حدة بكثير إذا كان الارتفاع ناتجاً عن نمو أقوى وأكثر شمولاً، في مقابل كونه ناتجاً عن خطأ في سياسة بنك مركزي ما أو حادثة عارضة في سوق. إذن، إلى ماذا يؤدي بنا كل هذا؟ ستكون العائدات الأعلى والأكثر تقلباً وخاصة حين نقارنها بعائدات عام 2017، مكوناً أساسياً في العام الجاري، لكن من غير المرجح أن تكون هذه عملية منفلتة العقال لأن تأثير البنوك المركزية سيظل كبيراً رغم تقلصه على الأرجح. وستواصل صناديق المعاشات محاولاتها لأن تحصن استحقاقاتها مدعومة في جانب من الأرباح الكبيرة التي يمكن أن تحولها إلى نقود الآن في ممتلكاتها من السندات. واحتمال حدوث عمليات عرقلة أوسع نطاقاً سيتم احتواؤها من خلال ترجيح أن المحفز الأساسي سيكون آليات نمو أفضل، ليس فقط في الولايات المتحدة لكن أيضاً في أوروبا ومناطق أخرى. صحيح أن العائدات تتحرك لأعلى على الأرجح هذا العام مع غياب بعض الصدمات غير الاقتصادية الكبيرة، لكن هذا في حد ذاته لا يمكن ترجمته على الأرجح إلى عراقيل اقتصادية ومالية أوسع نطاقاً. محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»