الآن، انتهت أزمة إغلاق الحكومة وأدرك «الديمقراطيون» أخيراً أن هذا الإجراء الذي اتخذوه من أجل الضغط على «الجمهوريين» فيما يتعلق بملف الهجرة، كان بمثابة المعركة السياسية الخاسرة. ولقد خلقوا بذلك أزمة لا ضرورة لها ثم تراجعوا، فمن الذي يستحق اللوم على وقوعهم في هذا المأزق؟ بالإضافة لتشارلز شومير ونانسي بيلوسي، يمكن لـ«الديمقراطيين» أن يلوموا أيضاً الشخص الذي طالب ببقاء «الحالمين» على أرض الولايات المتحدة عندما كان في البيت الأبيض، وهو باراك أوباما. وخلال حملته الرئاسية عام 2008، وعد أوباما خلال حوار تلفزيوني بضمان إقرار الإصلاحات التي اقترحها حول قانون الهجرة وبأن يجعلها في مقدمة أولوياته عند دخول البيت الأبيض. ولم ينسَ أن يضع جدولاً زمنياً لتنفيذ تلك الإصلاحات منذ ذلك الوقت. وقال: «لا يمكنني أن أضمن تنفيذ الوعد خلال الأيام الـ100 الأولى لوجودي في البيت الأبيض. إلا أن الشيء الذي أضمنه هو أن يكون لنا في العام الأول لرئاستي قانون الهجرة الجديد الذي أدعمه بقوة، وأروّج له منذ الآن. وأنا عازم على التقدم في هذا المسعى بالسرعة القصوى الممكنة». ولو كان أوباما يريد العمل بالفعل في هذا الاتجاه لاستطاع ذلك، فلقد كان حزب الرئيس يسيطر على مجلس النواب عندما كان «الديمقراطيون» يتمتعون بأغلبية 60 صوتاً ترجيحياً. ولو كان يريد بالفعل إمرار مشروع «قانون الحالمين» أو القانون الشامل لإصلاح ملف الهجرة، فلم يكن الجمهوريون يتمتعون بالقوة الدستورية الكافية لمنعه من تحقيق ذلك، ولكنّه لم يفعل. وفي حوار تلفزيوني أجري عام 2012، عمد الإعلامي الذي يحاور أوباما لتذكيره بالأمر فقال: «في بداية فترة رئاستك الأولى، كنت تحظى بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، ومع ذلك فإنك لم تتقدم بمشروع قانون لإصلاح ملف الهجرة. وأجد من واجبي أن أقول لك الآن بأنك لم تفِ بوعدك». واعترض أوباما على هذا الكلام، وأكّد أنه لم يقطع وعداً في هذا الشأن، وقال: «لقد حدث ذلك قبل أن يصبح اقتصادنا على حافة الانهيار. ولهذا السبب، كانت الأسبقية هي للتأكد من أننا لن نصل إلى حالة الركود الاقتصادي الخطير». إلا أن الإعلامي أصر على موقفه وقال لأوباما: «بل كان وعداً يا سيّد أوباما، وعليك أن تتذكر أن الوعد هو الوعد. ومع كل احترامي وتقديري لك، أرى أنك تجاهلت الوفاء بوعدك». حقاً، لقد كانت حجّة أوباما ضعيفة، ففي أثناء اهتمامه بالأزمة الاقتصادية، طلع بقانون الرعاية الصحية «أوباماكير» وتمكن من إمرار عدة مشاريع قوانين أخرى في الكونجرس. ولو طرح ملف إصلاح الهجرة للتداول في الكونجرس كأولوية مثلما قال، لأصبح قانوناً. ولو كان قد فعل ذلك، لما كنا نعاني الآن من الاختلاف على مشاكل الهجرة. وبالطبع، لم يكن أوباما الشخص الوحيد الذي يتحمل مسؤولية هذا الفشل. فمن الشخص الذي كان مسؤولاً عن هذا الملف في الكونجرس غير السيناتور «الديمقراطي» عن ولاية نيويورك «شومير»؟ ففي عام 2009، حلّ محل إدوارد كينيدي كرئيس لـ«اللجنة الفرعية التشريعية للهجرة». وبمجرد تقلده للمنصب، كتبت صحيفة «نيويروك تايمز» تقول: «سيقوم شومير بدوره بإمرار مشروع القانون المتعلق بإصلاح ملف الهجرة للتداول». إلا أن «شومير» لم يتقدم بالمشروع إلى الكونجرس. وامتنعت «بيلوسي» عن ذلك أيضاً عندما كانت تشغل منصب الناطقة باسم مجلس النواب الأميركي في الوقت الذي كان في حكم المؤكد أن يحظى مشروع القانون بموافقة الكونجرس، وحتى أوباما ذاته امتنع عن طرح المشروع للتداول لأنه وفقاً لما قالته مجلة «تايمز» «لم يكن ينوي تحمل مسؤولية عرض أي اقتراح لمشروع قانون ما لم يتأكد من توفر النوايا المشتركة القوية في كلا الحزبين للمصادقة عليه». ولعل الغريب في الأمر أنه لم يتأكد من هذه النوايا المشتركة عندما طرح قانون الرعاية الصحية. وفي عام 2012، أعلن أوباما عن عزمه على طرح قانون «العمل المؤجل للأطفال القادمين» (داكا) الذي يهدف لشرعنة وجود المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى أميركا عندما كانوا أطفالاً. إلا أن مشروع القانون لم يُطرح أبداً، وثار بشأنه خلاف كبير مع «الجمهوريين». وكان الرئيس ترامب على حق عندما عارض هذا القرار غير الدستوري. ولم يكن أمامه خيار آخر، وهو الذي قال أيضاً في تغريدة على موقع «تويتر» يوم 5 سبتمبر الماضي: «أمام الكونجرس الآن 6 شهور للتداول بشأن إقرار قانون داكا، وإذا لم يتمكن من الوصول به إلى نهاية فسوف أعمل على رفضه». ويمكن القول بأنه لم تكن هناك أزمة تتعلق بالمستفيدين من قانون «داكا»، بل إن المشكلة تكمن في أن طلبات الديمقراطيين غير منطقية. وعليهم الآن أن يدفعوا الثمن السياسي لتسرّعهم، وأن لا يلوموا على أزمة إغلاق الحكومة إلا أنفسهم ومعهم رئيسهم السابق باراك أوباما. مارك ثييسين محلل أميركي في السياسات الخارجية والوطنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»