كان القرار الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب في شهر نوفمبر الماضي، والذي يقضي بإدراج كوريا الشمالية في قائمة الدول الراعية للإرهاب، يمثل أكثر من مجرّد تحرك رمزي. وهذا لا يعني أن الإدارة الأميركية فتحت ثقوباً في نظامها للعقوبات ضد بيونج يانج فحسب، بل إنها كرّست بذلك الفشل المتكرر لسياسة الإدارة السابقة. ولقد حان الوقت لوقف هذه المناورة، وإجبار «كيم جونج أون» على الركوع من خلال وضع شروط أميركية أكثر صرامة. وفي الماضي، كانت واشنطن تنظر إلى البرنامج النووي والصاروخي لهذه الدولة المنعزلة باعتباره مشكلة سلوكية بحتة. وهذا يشبه تردد الوالدين في تأنيب أطفالهما المشاغبين وما يمكن أن يترتب على ذلك من مشاكل معقدة. وعلى النقيض من فحوى التصريحات التي كان أوباما يكثر من ترديدها، لم تكن كوريا الشمالية الدولة التي تعرضت لأقسى العقوبات من بين دول العالم، بل جاءت في المرتبة الثامنة في التصنيف. ولقد تعلّم «كيم» مثلما تعلّم أبوه من قبله وبسرعة فائقة، أن هذه الإجراءات يمكنها أن تزيدهما قوّة وحماسة لزيادة سرعة تنفيذ برنامج تطوير الأسلحة النووية وفقاً لرغبتهما الخاصة. وكان من نتيجة هذه السياسة المتراخية أن دفعت بموقف الولايات المتحدة خطوتين وراء كوريا الشمالية، وعلينا الآن أن نعكس وضعيتنا في هذا السباق. والشيء الذي يتوقعه منا الشعب الأميركي وحلفاؤنا هو الاحتكام إلى القوة القيادية التي يمكنها أن تجبر «كيم» على الامتثال لشروطنا وأجندتنا الزمنية. وينبغي على أميركا أن توظف كل عناصر قوتها الذاتية لعكس الديناميكية المتبعة الآن بيننا وبين كوريا الشمالية، لكن بشرط ألا يتم التوقف عند مسلسل العقوبات الاقتصادية. والكل يعلم الآن أن كوريا الشمالية «دولة مافيوية». وهي التي تمكنت من تمويل أهدافها المحرّمة في القوانين الدولية، عن طريق الشركات الوهمية وتصدير الأسلحة. وهي تعمل بنفس طريقة عمل العصابات التي تحتاج إلى شركاء. وخلال الشهر الماضي، تمكن «معهد العلوم والأمن الدولي» من تحديد أسماء 49 دولة يمكن اعتبارها مسؤولة عن مساعدة كوريا الشمالية، لكنها عرفت كيف تتجنب الملاحقة القانونية. وهذا رقم يثير الدهشة وخاصة لو عرفنا مدى التنوع الجغرافي للدول المخالفة والتي تمتد من منطقة أوراسيا وحتى الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية، فضلاً عن الصين وروسيا وإيران وكوبا، والحكومات التي تتصنّع ضعف أجهزتها في مجال مراقبة الصادرات لترسل إليها كل ما تحتاجه لاستكمال برنامجها النووي والصاروخي. واستنتج خبراء «مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة»، في تقرير نشر في شهر ديسمبر الماضي، أن سرعة إنجاز العمليات في نظام «كيم» مثيرة للإعجاب، لكنها ضعيفة الحماية ومعرّضة بشكل دائم للخطر. ويضيف التقرير: «تعتمد كوريا الشمالية على العملة الصعبة من أجل متابعة الحياة، وهي مستعدة لفعل أي شيء للحصول عليها». ويعلم «كيم» جيداً أن نظامه مستهدف، ولكن حتى الآن، بقي على يقين بأن الإسراع في تنفيذ تجاربه الصاروخية والنووية يمكن أن يغير الأوضاع ويجعله في موقف أفضل للمناورة والقدرة على التأقلم مع العقوبات الجديدة. وهذا الاتجاه هو الذي دفعه لانتهاز فرصة إطلاق مبادرة لإجراء مباحثات ثنائية مع كوريا الجنوبية. ولا شك في أن الرفع المؤقت للعقوبات المفروضة على كوريا الشمالية من أجل إفساح المجال لها للمشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية، وهي الفكرة التي رافقت نشر التقارير عن اقتراب إطلاق المحادثات بين الطرفين، سوف تمثل خطأ قاتلاً. وفي الوقت الذي رحبت فيه الولايات المتحدة والعالم بمشاركة كوريا الشمالية بالألعاب العالمية، فلا يجوز أن يعتبر هذا الترحيب مكافأة لنظام «كيم»، ولابد أن يبقى التمسك بالعقوبات مرتبطاً بالنزع التام للأسلحة النووية من كوريا الشمالية وليس بنزوات «كيم». وسوف يعيدنا عدم ربط سياستنا لفرض العقوبات بضوابط وشروط صارمة، إلى السياسات السابقة الفاشلة التي يعارضها الآن الرئيس ترامب بشدة. وكان رئيس كوريا الجنوبية «مون جاي إن» على حق عندما شدد الأسبوع الماضي على ضرورة تشديد العقوبات على بيونج يانج، لكني أرى أن إبقاء العقوبات ليس كافياً. وبدلاً من الانتظار حتى تنفذ كوريا الشمالية تجاربها المقبلة، فعلى واشنطن أن تسارع إلى فرض المزيد من العقوبات عليها وعلى الكيانات والدول والحكومات التي تساندها. تيد كروز* *سيناتور جمهوري عن ولاية تكساس --------------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»