أحزنتنا كثيراً الأنباء التي وردت بتعرض الوالد المبجل أحمد بن خليفة السويدي أطال الله في عمره، ومنحه موفور الصحة والعافية والسعادة لوعكة صحية عابرة أدخل على أثرها المستشفى للعلاج، لكن الذي أفرحنا أضعافاً مضاعفة، هو خروجه من تلك الوعكة وتعافيه، وزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، له في منزله في مدينة العين، فهنيئاً لنا جميعاً شفاؤك وتعافيك يا أبا محمد ووالدنا الكريم الذي نكن له في قلوبنا كل حب وتقدير واحترام ومعزة، فأنت من رعيل المتعلمين الأوائل من أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة الذين وقفوا إلى جانب مؤسسيها وبناتها الأوائل، وساندوهم في الوقت الذي كان فيه وطننا العزيز في أمس الحاجة إلى سواعد وجهود جميع أبنائه المخلصين الذين كان يقودهم المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته. بالنسبة لجيلنا الذي عمل في وزارة الخارجية في عقد سبعينيات القرن العشرين، وكان أحمد بن خليفة السويدي هو الوزير الذي يقودها، كان، رعاه الله، بمثابة الأب والمعلم لنا، فكان يجتمع بنا بشكل دوري كل أسبوعين تقريباً لكي يحصل منا على ملخصات موجزة عن جميع ما نقوم به من عمل في الإدارة السياسية، ويتعرَّف على العقبات والمشاكل التي نواجهها قبل أن يسألنا عن الإنجازات التي نقوم بها، وكان دائماً يخبرنا بأن الإنجازات هي أمر مفروغ منه ويجب أن تتحقق، لكن بوجود المشاكل والعقبات لن تتحقق الإنجازات، لذلك يجب أن نساعدكم على حل المشاكل أولاً، ثم بعد ذلك نسألكم ونطالبكم بتحقيق ما يمكن لكم التوصل إليه من إنجاز. وإذ نورد للقارئ الكريم هذه الطريقة الفذَّة في الإدارة، إنما نقصد أن نعكس حكمة هذا الرجل وكفاءته وحرصه الشديد على تنمية مواهب وقدرات أبناء هذا الوطن في تلك الفترة التي كان فيها الوطن في طور التأسيس والبناء، في نفس الوقت الذي نعكس فيه حنوه علينا كأب وقائد للدبلوماسية الإماراتية. كان الوالد أبو محمد محل ثقة كاملة من قبل الأب المؤسس والقائد الأكبر لهذه الدولة الفتية المرحوم الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، وكانت تلك الثقة المطلقة نابعة بادئ ذي بدء من دماثة خلق أحمد السويدي وإنسانيته وطيبته وسماحته، ثم بعد ذلك من قدراته الواسعة في فهم وتقييم شؤون البلاد والعباد وإيصالها إلى المرحوم الأب القائد بكل أمانة وصدق، وبكل جاهزية للحل وفك التعقيدات. في بداية قيام الدولة الاتحادية، كانت الهموم كثيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فكان المواطنون يتطلعون في لهفة إلى الإحساس بلذة استقلال الوطن والتنعم بحريته وخيراته، واللحاق سريعاً بركب التقدم العالمي كشريك للبشرية في مسارها نحو التنمية الشاملة المستدامة والتقدم البشري. وفي الوقت نفسه، كانت توجد المخاوف والتوجسات من المستقبل، بعد أن فاجأت بريطانيا الجميع بإفصاحها عن نيتها الانسحاب من المنطقة ضمن ما أسمته آنذاك «باستراتيجية شرق السويس». أما على الصعيد الخارجي، فإن الإمارات كوطن، والخليج العربي كإقليم، فوجئ بالأطماع التوسعية الإيرانية التي لم تكن وهماً أو سراباً، بل حقيقة سافرة، بدءاً بالبحرين، مروراً بمناطق وجزر في دول عربية خليجية كعُمان والعراق، وانتهاءً باحتلال جزر دولة الإمارات الثلاث أبو موسى، وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وما خفي غير ذلك أشد وأعظم. وفي وسط تلك الأمواج العاتية، والمشاكل الخطيرة المحيطة بالوطن كان أحمد بن خليفة السويدي هو المستشار والمنسق والناصح والحامل على أكتافه لتلك الهموم كوزير للخارجية ومستشار مسؤول بشكل مباشر أمام الأب، والقائد الأكبر الشيخ زايد، فكان أهلاً لتلك المسؤولية، عمل جهده على أن يسهم في ترسيخ الكيان الاتحادي الوليد، وزرع الثقة بين أولي الأمر وبعضهم بعضاً، وبينهم وبين شعبهم الوفي، فكانت نتائج ذلك هي التشاور المستمر بين أولي الأمر وترسخ الثقة والاتفاق على أنسب الحلول لجميع ما هو عالق من مشاكل داخلياً وخارجياً، ثم بناء جسور التواصل والمحبة بين القيادة وفئات الشعب كافة. إن تلك الأعمال الجليلة التي قام بها الوالد المبجل خلقت له حباً شديداً في نفوس وقلوب قيادة الإمارات وشعبها، فادعوا معي له بموفور الصحة والعافية وطول البقاء. لا أراك الله مكروهاً يا أبا محمد، فمنزلتك منا في سويداء القلب. د. عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي