الحجم الدقيق للتغير المناخي الذي يسببه الإنسان ليس واضحاً، ولكن خطره على الولايات المتحدة واضحاً، وهذا التهديد يأتي من التأثير المباشر للتغير المناخي على الإنتاج الزراعي ومستويات سطح البحر، ولكنه يأتي أيضاً، وبنفس القدر من الأهمية، من موجات الهجرة الضخمة والتي من المرجح أن يكون التغير المناخي سببها الرئيس، وعلى نطاق حتى أغنى الدول والمجتمعات في العالم لن تكون قادرة على منعه أو حتى التواؤم معه. ورغم ذلك، فإن العمل على هذه القضية كان متجمداً خلال إدارتين من الإدارات الأربع السابقة في الولايات المتحدة، وذلك بسبب رفض جزء كبير من المؤسسة السياسية والناخبين قبول الدليل العلمي الواضح على وجود هذا التهديد - وقد قررت إدارة ترامب الآن حذف التغير المناخي من قائمة التهديدات الأمنية للولايات المتحدة في إطار استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي (إن إس إس). والمهمة الأهم والأكثر إلحاحاً التي تواجه نشطاء التغير المناخي في الولايات المتحدة هي إقناع مؤسسة الأمن القومي الأميركية بخطأ هذا القرار. وإذا لم يتم إحراز تقدم جاد في ظل هذه الإدارة، ينبغي تكريس الفكر لوضع التغير المناخي في قلب استراتيجية الأمن القومي للإدارة المقبلة والتفكير الأمني الأميركي بشكل عام. الاحترار العالمي والأمن القومي ويرجع السبب في هذا إلى أن السبيل الوحيد لإقناع الناخبين الأميركيين المحافظين، والبدء في عمل جاد حقيقي في الولايات المتحدة ضد التغير المناخي، سيكون عن طريق إثبات الصلة بين الاحترار العالمي والقضايا الحرجة المتعلقة بالأمن القومي. وينبغي أن يكون التهديد واضحاً، ولكن حتى قبل أن يتولى دونالد ترامب الرئاسة، لم تكن النخب الأمنية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى تدرجه في تفكيرها. وبالتالي فإن الغالبية العظمى من التقارير وتحاليل القضايا الأمنية في الخليج العربي تتعلق بالتهديدات الأمنية الكلاسيكية، مثل مستقبل الاتفاق النووي الإيراني. وتقريباً لم تلحظ المؤسسات الأمنية تقريراً أعده معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، والذي يقول إنه بحلول الربع الأخير من هذا القرن، من المرجح أن يؤدي التغير المناجي إلى جعل من المستحيل بالنسبة للناس في الخليج العربي وجنوب آسيا العمل في الهواء الطلق في معظم أوقات السنة بسبب مزيج من موجات الحرارة والرطوبة الشديدة. وتعد منطقة جنوب آسيا حالياً هي الموطن لأكبر تجمع من الناس في العالم، الكثيرون منهم يعملون في الزراعة. وإذا ما ثبت صحة توقعات معهد ماساتشوستس، فماذا سيقول المؤرخون في المستقبل عن الشواغل الأمنية لحكومات الخليج وجنوب آسيا وحلفائهم الغربيين؟ ويأتي قدر كبير من الفشل في التكيف من المؤسسات الأمنية نفسها. فقد أنشئت هذه المؤسسات في البداية لمواجهة التهديدات الأمنية الكلاسيكية فيما يتعلق بالغزو الخارجي والتمرد الداخلي وتطورت خلال الحرب الباردة لمواجهة مزيج من التهديد العسكري والأيديولوجي للشيوعية السوفييتية. وقدر ضئيل جداً من خبرات وهياكل هذه المؤسسات يؤهلها للتفكير بجدية بشأن تهديد جديد تماماً مثل التغير المناخي - لا سيما وأن آثاره الأسوأ ستحدث بعد فترة طويلة من النطاق الزمني للسيناريوهات العسكرية المعتادة. وأحياناً لا تستطيع هذه المؤسسات حتى إدراك وجود هذه التحديات، نظراً لأنها لكي تفعل ذلك ستخاطر بالاعتراف بتقاعسها عن العمل. غير أن هناك استثناءات مشرفة لهذا النمط، مثل مشروع الأمن الأميركي ومركز المناخ والأمن. ولسوء الحظ، رغم ذلك، فإن أصواتهم كانت تنخفض أمام أولئك الذين يصرخون مرددين أهمية التحديات التقليدية، والتي هي في الواقع أقل أهمية بكثير، بالنسبة لأمن الولايات المتحدة. ولم تؤد التهديدات الجديدة القادمة من روسيا والصين سوى إلى تفاقم هذه المشكلة. النشطاء في دائرة الاتهام حتى المؤسسات البحثة الأوروبية المتخصصة في السياسة الخارجية والأمنية، على الرغم من أنها تأخذ قضية التغير المناخي بجدية أكثر، فإنها بوجه عام تضعها في مربع منفصل عن القضايا الأمنية، وبذلك تضمن أن معظم خبراء الأمن لن يقرؤوا تقاريرها. وقد رأيت شخصياً كيف أن الخبراء في الشؤون الباكستانية، والذين يركزون على التهديدات الأمنية قصيرة الأجل التي تواجه هذا البلد، يتجاهلون تماماً التهديدات الوجودية طويلة الأجل التي يشكلها مزيج من التغير المناخي والنمو السكاني وسوء استخدام الموارد المائية. بيد أن النشطاء في مجال التغير المناخي يجب أن يتحملوا بعض اللوم. فالكثيرون منهم لديهم نفور غريزي للتفكير بشأن، أو الاعتراف، بشرعية قضايا الأمن القومي والمصالح الوطنية والقومية والوطنية باعتبارها قوى للتحفيز والتعبئة. ولأنهم ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم «مواطنين في العالم»، فإنهم ينسون أنه في حين أن التحدي – والتنسيق المطلوب – هو شأن عالمي، فإن الإجراءات الفعلية يجب أن تتخذها الدول القومية التي لديها السلطة للتصرف والشرعية لإقناع مواطنيها بدعم هذه الإجراءات. بيد أن قضية الدور الأمني هي قضية حيوية. فالمؤسسات الأمنية والجيوش الوطنية هي فقط التي تملك القدرة على تعبئة الموارد على النطاق المطلوب. وهي فقط التي يمكنها الربط بين تهديد تغير المناخ والواجب الوطني، علاوة على إقناع الناخبين بأن التضحيات المطلوبة ضرورية من أجل سلامة بلادهم في المستقبل. ومن شأن إدراج الأمن في هذه المناقشة أن يجلب معه فهماً أفضل لكيفية معالجة المخاطر الأمنية التي ينطوي عليها الأمر. والمنكرون للتغير المناخي مثل معهد هارتلاند يميلون إلى استدعاء اليقين العلمي بشأن التغير المناخي وهو ضمان أن أي إجراء سيأتي متأخراً جداً. جدلية «عدم اليقين» ومن ناحية أخرى، يؤكد بعض النشطاء، كذباً، اليقين المطلق بشأن الآثار المستقبلية بالتفصيل - وهو يقين لا يمكن ببساطة تبريره علمياً. ولكن لا يوجد أي جندي أو محلل عسكري يفكر بشأن التهديدات بهذه الطريقة. إنهم لا يعملون على أساس الأمور المؤكدة، بل على أساس المخاطر، وحجم المخاطر والتوازن بين المخاطر المختلفة. وكما جاء في تقرير شركة راند: «في حالة الأسلحة النووية، والإرهاب، والقضايا السيبرانية، فإن كلاً منها يوفر مزيداً من عدم اليقين أكثر من التغير المناخي. ومع ذلك، يتم تخصيص كميات هائلة من الموارد لرعاية البحوث، وفهم التهديدات والاستعدادات للنتائج المحتملة. والعكس صحيح بالنسبة للتأثير الأمني المحتمل للتغير المناخي... فعدم المشاركة داخل مقر الناتو حول هذه النقطة هو أكثر ملاءمة بالنسبة لإدارة خطر محتمل أو مقبول، بينما يشير الأدب إلى أن التغير المناخي يقدم مخاطر من المرجح ألا تكون محتملة أو مقبولة. وحقيقة أن «الناتو» لم يتمكن من تقييم قابلية تحمل المخاطر المحتملة لا علاقة له بالتقييم الرسمي للمخاطر، حيث إن مناقشة قضايا المناخ قد منعتها على ما يبدو المعارضة السياسية». وإذا كان موقف منكري التغير المناخي من الخطر قد انتقل إلى مناطق أخرى من الأمن القومي، فسيتعين علينا إذن الانتظار حتى يكون هناك يقين أن الإرهابيين سيحصلون على أسلحة نووية قبل القيام بإجراء أو الانتظار حتى يكون هناك يقين أن الروس سيغزون البلطيق قبل نشر قوات لردعهم. دور المؤسسة الدفاعية وفي الوقت نفسه، أصبح الإجماع العلمي وراء حقيقة التغير المناخي الذي يسببه الإنسان أمراً طاغياً لدرجة أنه في أي مجال آخر من مجالات السياسة العامة، سيكون مقبولاً بالفعل كأساس لاتخاذ إجراء فوري. كما يمكن لمؤسسة الدفاع الأميركية أن تلعب دوراً مهماً في إعادة العلوم والمنهج العلمي إلى مكانهما الصحيح في النقاش العام الأميركي. ومن بين العوائق التي تحول دون معالجة هذه القضية بصورة منطقية حتى الآن هي قضية أن التغير المناخي قد أصبح متشابكاً بشكل بائس مع الأمور الثقافية – السياسية التي تقسم المجتمع الأميركي الآن. وفي السنوات الأخيرة، بدأ الكثير من الأميركيين المحافظين في إنكار التغير المناخي ليس على أساس الدليل أو الحجة، بل لأن ولاءهم الثقافي يستبعده. «نحن لسنا ذلك النوع من الناس الذي يؤمن بالتغير المناخي». هنا يكون دور الجيش الأميركي حاسماً للغاية. فهو المؤسسة الأميركية الوحيدة التي تحتفظ بثقة واحترام الأغلبية العظمي من الأميركيين من كلا الحزبين السياسيين. وهو أيضاً مؤسسة تعتمد ثقافتها على تقدير جدي وواقعي للتهديدات والتي يمكن أن تتحدث إلى الأميركيين الوطنيين المحافظين بقناعة وبأسلوب يمكن أن يفهموه. ليس هناك «مواطن في العالم» يستطيع إقناع الناخب «الجمهوري» بالتصويت ضد مصالحه أو مصالحها المباشرة. وأي جندي أميركي لن يكون لديه مشكلة في أن يتحدث عن التهديدات التي تواجه أميركا. وقد يكون من الخطأ في هذا السياق التأكيد على الآثار الفيزيائية المباشرة طويلة الأجل للتغير المناخي وطابعها المروع. وفي حين أن النطاق المروع لهذه المخاطر ينبغي حقاً أن يدفع إلى اتخاذ إجراءات جذرية، إلا أن هذه التنبؤات طويلة الأجل هي بطبيعتها غير مؤكدة إلى حد بعيد. وعلاوة على ذلك، فإنها تقع بعيداً عن حدود التفكير الطبيعي للجيوش والنخب الأمنية، لدرجة أنها تؤدي إلى نفور تلقائي في هذه الدوائر؛ فالحديث عن الهلاك يحول الناس بعيداً عن التفكير العملي. ولذا فمن الأفضل من ذلك بكثير عند التماس اهتمام والتزام نخب الأمن الوطني التركيز على التهديدات التي تقع بالفعل ضمن نطاق الدراسات الأمنية. وستكون هذه هي المخاطر متوسطة الأجل وليست طويلة الأجل، وهي التي من الممكن توقعها بمستويات عالية من اليقين – وفي الواقع، فهي في العديد من الحالات مشاكل تحدث بالفعل. والإجماع بين الخبراء هو أنه لعدة عقود قادمة على الأقل، لن تؤدي تأثيرات التغير المناخي إلى تغيير مفاجئ ومروع، ولكن بالأحرى ستؤدي تدريجياً إلى تفاقم المشاكل القائمة والتي من الممكن ملاحظتها بالفعل. عبء المهاجرين ومن أهم هذه المشاكل هي تأثير التغير المناخي في زيادة مستويات الهجرة الجماعية، وما يترتب على ذلك من زيادة في التهديدات التي تواجه الديمقراطية الليبرالية والسلام الاجتماعي في الدول المتقدمة، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون. وكما جاء في مراجعة الدفاع الرباعية لعام 2010: «في حين أن التغير المناخي وحده لا يسبب نزاعاً، فإنه قد يعمل كعنصر لتسريع عدم الاستقرار أو الصراع، ما يضع عبئاً على المؤسسات المدنية والجيوش في جميع أنحاء العالم فيما يتعلق بالاستجابة». إن الخطر الذي تشكله الهجرة على الديمقراطيات الغربية واضح بالفعل. في الولايات المتحدة، لعب الغضب من الهجرة غير الشرعية (لا سيما من أميركا الوسطى) دوراً مهماً في انتخاب ترامب. وفي أوروبا، حيث يصل العديد من المهاجرين من الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط وأفريقيا، كانت التأثيرات أكبر وأخطر. وفي جميع أنحاء القارة، أدت المخاوف من الهجرة إلى صعود الحركات القومية الشعبوية، ما أدى إلى تقويض أو حتى تدمير الأحزاب الرئيسية لليسار واليمين المعتدلين وتعريض مستقبل الاتحاد الأوروبي للخطر. جفاف ثم اضطراب تتركز معظم البلدان التي تعاني من نقص الموارد المائية في الشرق الأوسط. وبالفعل، فإن الجفاف الذي اجتاح سوريا من 2006 – 2011 كان هو السبب الرئيسي إلى حد كبير في زيادة التوترات الاجتماعية التي أدت إلى الثورة السورية والحرب الأهلية اللاحقة. وأدى هذا النزاع إلى تدفق موجة من اللاجئين إلى أوروبا وأعطى دفعة أخرى هائلة للتطرف القومي في العديد من الدول ومن بينها ألمانيا. وفي باكستان، انتقل المهاجرون الريفيون الذين هجروا الأراضي بسبب نقص المياه إلى كراتشي، ما أدى إلى تفاقم العنف العرقي وإضعاف القطاعات الصناعية والمالية في البلاد. وساهمت الهجرة الباكستانية إلى بريطانيا في زيادة مخاوف الطبقة العاملة في البلاد، ما أدى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). والآن، نجد أن جنوب آسيا يتجاوز بسرعة شرق آسيا باعتباره المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، فإن عدد سكان باكستان، الذي يزيد حالياً على 200 مليون نسمة، سيبلغ 350 مليون بحلول منتصف القرن. وإذا كان تقرير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا صحيحاً، وأن درجات الحرارة ترتفع للدرجة التي تصبح فيها الزراعة مستحيلة ومعظم المنطقة غير صالحة للسكن، فإن التدفقات الناتجة من اللاجئين ستشمل مئات الملايين من الناس. ولن يؤدي هذا فقط إلى حالة من الخراب في الدول الإقليمية، ولكن العديد من هؤلاء المهاجرين سيحاولون التوجه إلى أوروبا. لذا، لو نحينا جانباً الآثار المباشرة للهجرة على الولايات المتحدة، فإنه سيكون من الواضح – نظراً للاتجاهات السياسية القائمة - أن نتائج مثل هذه الهجرة المدفوعة بالتغيرات المناخية في أوروبا ستكون مدمرة بالنسبة للمصالح الجيوسياسية والأيديولوجية للولايات المتحدة. وفي أفضل الأحوال، ستتبنى الدول الأوروبية تدابير داخلية وخارجية شرسة للسيطرة والتي من شأنها القضاء على الديمقراطية الليبرالية. وفي أسوأ الأحوال، ستسقط أوروبا في صراع عرقي- ديني، وتدمر الأساس لأهم تحالف جيوسياسي واقتصادي وأيديولوجي في أميركا. أما الناتو فإما أن يصبح غير ذي صلة تماماً، أو أن يضطر إلى الانحياز إلى أحد الأطراف في الحرب الأهلية. استقطاب داخلي من المرجح أن تكون تأثيرات التغير المناخي على الهجرة قد أضعفت نظم التحالف الرئيسية لأميركا، وكذلك المثل الديمقراطية التي تشكل الأسس الأخلاقية للقيادة العالمية لأميركا. وهذه تحديداً هي النتيجة التي كان انخراط الجيش الأميركي في أوروبا وشرق آسيا يسعى جاهداً لتجنبها منذ عام 1941. فلماذا القلق بشأن تهديد الهيمنة الصينية في الشرق الأقصى أو تقويض روسيا للناتو في أوروبا إذا كنت تسمح للتغير المناخي بأي يؤدي إلى انسحاب الولايات المتحدة أو عزلتها بوسائل مختلفة؟ انقسام «مناخي- سياسي» من المرجح أن تؤدي الهجرة الناجمة عن التغير المناخي إلى تفاقم الانقسامات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي والناتو الحاليين. وبالفعل يحاول الأعضاء من شمال أوروبا عزل أنفسهم بعيداً عن المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط وأوروبا الشرقية في محاولة لمنع حتى الظهور الأولي لسكان غير أوروبيين على أراضيهم - وهو التطور الذي يمكن رؤيته بالفعل في استجابتهم لموجة المهاجرين القادمين من سوريا. ومن الواضح أن الانقسامات الداخلية في المجتمع والسياسة الأميركية تشكل حواجز خطيرة أمام قيام المؤسسة الأمنية بلعب دور أكبر - كما شهدت استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب. ومع ذلك، فإن الحجم الهائل من التهديد لأمن البلاد يعني أن الجيش الأميركي لديه واجب مؤسسي ووطني لإرشاد الأميركيين بشأن هذا التهديد، تماما كما أثر عليهم في الماضي بشأن التهديدات الأخرى التي تقع في نطاق اختصاص الجيش. وبالمناسبة، فإن هذا ينطوي أيضاً على التعريف بالعواقب الأمنية المحتملة للهجرة الجماعية، وهو الموضوع الذي يكون الليبراليون غير عقلانيين بشأنه تماماً، كما هو الحال مع المحافظين فيما يتعلق بالتغير المناخي. ولدينا هنا قضيتان أوسع نطاقاً. الأولى أن مؤسسة الدفاع الأميركية، باعتبارها مؤسسة تعتمد على العلم بالنسبة لأسلحتها ونظمها الاستخباراتية، فإن لديها فهماً جيداً ليس فقط لأهميته، بل يمكنها أيضاً تذكير الأميركيين بالحاجة الملحة لأخذ الحقائق العلمية في الحسبان. والثانية تتعلق بدور الوطنية والقومية في أميركا. فقد تحول التغير المناخي حالياً إلى قضية تقسم الأميركيين بدلاً من أن توحدهم. والوطنية هي القوة الوحيدة التي يمكنها تحفيز الجماهير للقيام بتضحيات في الكفاح ضد التغير المناخي من أجل مستقبل بلادهم. ويمكن للجيش أن يلعب دوراً رئيسياً في تعبئة هذه المشاعر وتحويل هذا الكفاح إلى شيء يوحد الأميركيين ويقلل من الانقسامات والكراهية التي بدأت تشكل تهديداً ليس فقط للنظام السياسي الأميركي، بل حتى لبقاء الديمقراطية الأميركية على المدى الطويل. ومن دون هذه المشاركة، فإن القيام بعمل ناجح ضد التغير المناخي سيكون مستحيلاً، والعواقب بالنسبة للولايات المتحدة والعالم ستكون كارثية. أناتول ليفن أناتول ليفن* ـ ـ ـ ـ ـ ـ المؤسسات الأمنية والجيوش الوطنية هي فقط التي تملك القدرة على تعبئة الموارد على النطاق المطلوب. وهي فقط التي يمكنها الربط بين تهديد تغير المناخ والواجب الوطني ـ ـ ـ ـ التغير المناخي سيجعل من المستحيل بالنسبة للناس في الخليج العربي وجنوب آسيا العمل في الهواء الطلق في معظم أوقات السنة ـ ـ ــ ــ تداعيات التغير المناخي ستؤدي إلى زيادة مستويات الهجرة الجماعية وزيادة التهديدات التي تواجه الديمقراطية الليبرالية والسلام الاجتماعي في الدول المتقدمة ـ ـ ــ ـ ـ إقناع الناخبين الأميركيين المحافظين بالعمل في الولايات المتحدة ضد التغير المناخي سيكون عن طريق إثبات الصلة بين الاحترار العالمي والقضايا الحرجة المتعلقة بالأمن القومي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ التنبؤات طويلة الأجل هي بطبيعتها غير مؤكدة إلى حد بعيد، وتقع بعيداً عن حدود التفكير الطبيعي للجيوش والنخب الأمنية، فالحديث عن الهلاك يحول الناس بعيداً عن التفكير العملي ـ ـ ــ تأثيرات التغير المناخي لعدة عقود قادمة على الأقل، لن تؤدي إلى تغيير مفاجئ ومروع، ولكن بالأحرى ستؤدي تدريجياً إلى تفاقم المشاكل القائمة والتي من الممكن ملاحظتها بالفعل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ــ ـ أناتول ليفن* ـــ ـ ـ ـ عن دورية «فورين بوليسي» *باحث رئيسي في مؤسسة «نيو أميركان فاونديشن» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»