لو أنّ محرك البحث الأميركي عن المعلومات «غوغل» يملك حكمة الصين، أو الصين تملك تكنولوجيا «غوغل»، لأصبحت الدنيا الآن في أحسن حال، وقد تحقق الصين ذلك عندما تصبح الأولى عالمياً في بناء العقل الاصطناعي عام 2030، حسب قرار مؤتمر حزبها الشيوعي الشهر الماضي. والآن على «غوغل» العمل بالحكمة الصينية: «آه يا بَيض.. لا تتعارك مع الصخور!». فالمنافسة على أشدها بين «غوغل»، وهي واحدة من بين أكبر 50 شركة في العالم، والتي فتحت فرعاً للأبحاث في «الدماغ الاصطناعي» في بكين، وشركات الصين الإلكترونية الكبرى؛ «علي بابا»، و«ديدي»، و«بايدو» التي شرعت بالاستيلاء على أفضل المواهب الهندسية في قلب صناعات الكومبيوتر الأميركية في «السليكون فالي»، وبعضهم يعمل في «غوغل». و«غوغل» تعني في الرياضيات الرقم واحد وإلى يساره مئة صفر، واختاره مؤسسا «غوغل» خلال تفكيرهما عام 1997 كاسم لآلة البحث الجبارة التي صمماها. واليوم تملك «غوغل» جميع المعلومات المنتجة في الإنترنت حول العالم، وحتى معلومات الأقمار الصناعية عن كوكبي الأرض و«المريخ». والمعلومات قوة بناء عظمى، أو هدم، حسب استخداماتها. وهذا سبب منع الصين دخول محرك البحث «غوغل» أراضيها. وتتضح قوة المعلومات التي تتحكم بها «غوغل» وتقدمها من خلال صور وخرائط شوارع تنقلها الأقمار الصناعية المستخدمة في السيارات أو الزوارق، كما تقدم لكل من يستخدم برنامجها في سيارته خرائط فورية لبلوغ هدفه في مدينة قد يدخلها لأول مرة. هذه البرمجيات جعلت شركة التاكسي «أوبر» أكبر خدمة تاكسي في العالم من دون أن تملك سيارة، فهي مجرد أداة برمجيات، وسوّاقها كل راغب يملك سيارة بمواصفات تشترطها «أوبر». وأنظمة النقل الآلية التي تطورها «غوغل» و«تسلا» ستلغي الملكية الفردية للسيارات، ومعها شركات تأمينها، وإجازات سياقتها، أي إفلاس إحدى أكبر شركات الخدمات في العالم. والمنافس الصيني في هذا الميدان «ديدي» اشترى فرع «أوبر» في الصين، وعازم على شراء باقي فروعها حول العالم، وإنشاء شبكة محطات تجهيز العربات الآلية بالكهرباء. وأكبر شركات الصين في المبيعات عبر البريد الإلكتروني «علي بابا» أسست أخيراً «علي أكسبريس» للمنافسة العالمية مع شركة «آمزون» التي لا تنتج السلع، بل توزعها فقط، وكثير منها صينية الصنع. و«ثورة الروبوت هذه المرة في الصين» عنوان تقرير مسهب في «نيويورك تايمز» عن تحول الصين من دولة العمالة الكثيفة إلى دولة التكنولوجيا الرفيعة. وسعر «الإنسان الآلي» الذي يعمل حالياً في الزراعة 100 دولار في الصين، والتي قد تصبح أكبر دولة للبشر الآليين. والمنافسة على مهندسي «العقل الاصطناعي» أشد مما هي على أبطال كرة القدم، والولايات المتحدة التي هي أكبر قناص للمواهب في التاريخ، تشهد الآن، ولأول مرة في تاريخها، نزوح الأدمغة المغتربة بالاتجاه المعاكس. وبين المغتربين العائدين إلى الصين، «كاي فو لي» الذي طوّر أول نظام آلي لإدراك الكلام المتواصل المنطوق، وأثار خلافات في المحاكم بين «مايكروسوفت» حيث كان نائب رئيسها، و«غوغل» التي اقتنصته لبناء «غوغل الصين»، قبل أن ينشئ داخل الصين شركته الخاصة، برأسمال قدره مليار دولار. ومع أن «كي فو لي» يُسّلم بخطر التكنولوجيا الجديدة متمثلاً في إمكانية القضاء على كثير من المهن، فإنه متفائل في أن «العقل الاصطناعي سيرعى كل شخص». «فالعقل الاصطناعي لا يتعب من العمل، وكلفته رخيصة جداً، وبواسطته ستملك البشرية موارد أكبر بكثير، وسنكون قادرين على العناية بكل إنسان، وغير مكتوب على الكائنات البشرية في الأرض القيام بأعمال متكررة ومهام غير منتجة». وإذا قسنا ثروات الأمم بعقلها، فالصين الأولى بحكمتها القائلة منذ أربعة آلاف عام: «لا تقلق إذا لم يفهمك الآخرون، بل اقلق عندما لا تفهمهم».