بعد رفض شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب طلب نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، مقابلته في ديسمبر الماضي بمشيخة الأزهر، جراء إقدام ترامب على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس الشريف، تم توجيه الدعوة لإقامة لمؤتمر الأزهر العالمي لنُصْرة القدس مع الحرص على دعوة كبار رجال الدين والثقافة والسياسيين المعنيين بالقضية للمؤتمر، من القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية والمنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، للخروج بقرارات عملية، تتناسب والتحديات الخطيرة التي تهدد أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى خاتم الأنبياء والمرسلين، والتحذير من إشاعة الكراهية بين الشعوب بهذه القرارات الظالمة واللاإنسانية. ومع إطلاق هذه المبادرة، عاد الجدل العقيم حول مسألة زيارة المسجد الأقصى ما بين التحريم والإجازة، وانقسم المسلمون إلى فريقين متضادين، المفارقة أن كلا الفريقين يملكان نفس الحجة ألا وهي الدفاع عن المسجد الأقصى ونصرة فلسطين؛ وهي فرصة لإعادة النظر في الفتاوى المتنوعة، وأن تتولى أمور الفتوى فيما يتعلق بالقدس أعلى المراجع الدينية الإسلامية، فالأزهر الشريف والقائمون عليه هم من أخلص رجال الأمة وأعلاهم علماً ونوراً. وإني لأرى بأن الزيارة الآن واجب ديني وسياسي واقتصادي على كل مسلم حيث أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي،المنعقد في دورته الثانية والعشرين قراره ( أن الحكم الشرعي للزيارة مندوب ومرغّب فيه) تأكيداً على الفتوى الصادرة عن المؤتمر الدولي «الطريق إلى القدس» الذي عقد بعمان الأردن 30 أبريل 2014. كما ذهب إلى ذلك كوكبة من العلماء أبرزهم مفتي الديار المصرية الأسبق د. علي جمعة، ووزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية الأردنية الدكتور هايل داود ومعه أغلب وزراء الأوقاف العرب والمسلمين و الشيخ «أحمد حسين» مفتي فلسطين والشيخ عبد الله بن بية، والعلامة محمد سعيد رمضان البوطي، ومفتي فلسطين الشيخ محمد أحمد حسين وعلماء أوروبا وأغلب علماء العصر ودعاته منهم الحبيب علي الجفري. والدافع الأساس في تأييد موقف الزيارة الشرعية من قبل المسلمين في كافة أنحاء العالم، لاعتبار القضية ذات أولوية وأهمية قصوى اليوم، من أجل دعم وجود إخواننا المقدسيين، وتأكيد التلاحم معهم. حيث تبين أحقية المسلمين في هذا المكان المقدس والتصدي للروايات الإسرائيلية التي تريد تهويده، وإعطائه تسميات مزيفة، مثل "جبل الهيكل" وغيرها من الأسماء، لكن قرار اليونسكو الأخير فند هذه الأكاذيب الصهيونية. أما فهم تيار تحريم الزيارة بأن زيارة القدس تبرير للتطبيع مع الاحتلال ويستعصم بمنعها كجدار صد أخير في وجه الغرق في المشروع الصهيوني وتسويق مقولات السلام الكاذبة. ويعتبر بأن السلام الذي جرى بين بعض العرب واليهود معصية دينية بقدر ما هو خطأ سياسي استراتيجي؛ يعطل دور الأمة في تحرير فلسطين، تحت ذريعة أن هذه المعاهدات السلمية مع اليهود جارت على القضية الفلسطينية، وبالتالي لابد من القطيعة واستمرار العداء وهذه النظرة غير دقيقة وأثبت الزمان بأنها كارثية. فسياسة المقعد الشاغر في الأمم المتحدة والمقاطعة في المحافل الدولية بسبب تواجد إسرائيل أكسبت الصهاينة مزيداً من الأراضي واستباحة حقوق الفلسطينيين وجارت في الأساس على بيت المقدس، فقد شكل الحصار الذي فرضوه بأيديهم حجة لليهود لاستكمال مشروعهم في تهويد القدس، والذي تُوج بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بجعل القدس عاصمة أبدية لإسرائيل. وأغرقوا الناس في خضم الجدل البيزنطي الديني والسياسي المحتدم بين العرب حول ما إذا كانت «زيارة» القدس تحت الاحتلال حرام أم حلال؟ إن تحريم زيارة القدس اجتهاد خاطئ، ودعوة مريحة للاحتلال وداعمة لأهدافه السياسية، لأن القدس في هذه الحالة لن يبقى فيها إلا اليهود على ضوء معطيات وإجراءات التهويد والتطهير العرقي، والمشروع الصهيوني المخطط له أن يكون عدد السكان اليهود في القدس عام 2020م مليون يهودي، فكيف سنحفظ الوجود الإسلامي والمسيحي فيها ؟ لقد باتت في الواقع زيارة المسجد الأقصى أكثر وجاهة من أي دعم سياسي واقتصادي فهي دعم كبير لصمود القدس وأهلها وتقلب الأوراق على طاولة الصهاينة وتجعلهم أمام رهان إسلامي دولي حيث كما شكل اليهود بجنسياتهم المتعددة تحدي دولهم الأصلية التي دافعت عن حقوق مواطنيها فاغتصبوا الأرض بتصويت دولهم في الجمعية العامة بالأمم المتحدة سيشكل مسلمو العالم أكبر حجة للشعب الفلسطيني حيث يبلغ عدد جنسيات مسلمي دول خارج العالم الإسلامي أكثر من 550 مليوناً وهم قوة إضافية مؤثرة لنا ضد المخطط الشيطاني للصهيونية العالمية التي ثبت بقرار من الأمم المتحدة أنها فكر عنصري بغيض. فالقدس حالياً في وضع خطير للغاية، فالحفريات على قدم وساق تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك تسببت بانهيارات في ساحاته، وتصدعات في أعمدته وجدرانه وبالأخص الجدارين الجنوبي والشرقي، حتى الأتربة والصخور التي تقوم عليها إزالتها إسرائيل وفتحت شبكة من الأنفاق أسفله فأصبح الآن معلّقاً في الهواء، وتراهن إسرائيل على هزة أرضية أو ستصطنع زلزالاً ليهدمه تلقائياً فتقيم الهيكل مكانه. آن الأوان لرفع الحصار و التطبيع مع المقدسيين بشد الرحال إلى القدس التي عُزلت عن محيطها الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي بقرار إسرائيلي محض، وهي تعتمد في اقتصادها على أبناء فلسطين، تصب أسواقها في شرايين المدينة، فحينما تقطع هذه الشرايين عن القلب، فالنتيجة حتمية التي يريدها اليهود وهي أن تموت القدس. فالقدس كانت تحت الاحتلال الصليبي لسنوات طويلة، أين فتاوى العلماء، حيث كان بها العز بن عبدالسلام سلطان العلماء، وكان بها أبو حامد الغزالي وابن تيمية، هل حرموا على المسلمين دخول القدس، فهؤلاء أعلام في تاريخ الأمة الإسلامية، ولم يقولوا بأنهم لن يدخلوا القدس طالما أنها تحت الحكم الصليبي، بل بالعكس، أبو حامد الغزالي عندما دخل القدس وهي تحت الاحتلال الصليبي دخل من باب الأسباط، ورأى 360 حلقة علم في ساحات المسجد الأقصى وأصبح يبكي، حيث قال إنه رأى أن إقبال الناس على العلم انخفض. كما أن القائد صلاح الدين ونور الدين كانا يطلبان من والي بيت المقدس المحتل الإذن لبعض الناس بزيارتها.. لماذا هؤلاء العلماء الأعلام لم يحرموا على المسلمين دخول القدس، وهي تحت الاحتلال الصليبي.. وخضعت الجزائر للاحتلال الفرنسي أكثر من 132 عاماً، ومثلها مصر والشام وغيرها من بلاد العرب والمسلمين التي خضعت للاحتلال الفرنسي أو البريطاني أو الإيطالي ولم نسمع أحداً من العلماء حرم دخولها بسبب احتلالها. إن تحريم زيارة القدس اجتهاد خاطئ، ودعوة مريحة للاحتلال وداعمة لأهدافه السياسية، لأن القدس في هذه الحالة لن يبقى فيها إلا اليهود على ضوء معطيات وإجراءات التهويد والتطهير العرقي، والمشروع الصهيوني المخطط له أن يكون عدد السكان اليهود في القدس عام 2020 مليون يهودي، فكيف سنحفظ الوجود الإسلامي والمسيحي فيها؟