بالنسبة لسكان مدينة نيويورك، كانت نهاية شهر أكتوبر 2012 اللحظة التي غيرت شيئاً مهماً في حياتهم. ولو بقي واحد فحسب من ناكري ظاهرة التغير المناخي على وجه الأرض في المناطق الإدارية الخمس للمدينة قبل وصول إعصار ساندي، فلا أعتقد أنه سيبقى على موقفه بعد وصوله. فلقد قتل 44 شخصاً وتسبب في اندفاع السيول الجارفة، وأدى إلى قطع أجزاء كبيرة من خطوط نقل الطاقة الكهربائية وقُدرت خسائره في تدمير البيوت والبنى التحتية والشركات بنحو 19 مليار دولار. ومنذ ذلك الوقت، بدأت نتائج الظاهرة تتضح بشكل أكبر في مدينة نيويورك. والآن، بدأنا نفعل شيئاً ما إزاءها. فلقد فهمنا أن التغير المناخي يمثل تهديداً حقيقياً قائماً بالفعل، على الرغم من رفضنا لفكرة عدم إمكان السيطرة عليه وتجنبها. ونحن ندرك أن العديد من قادتنا السياسيين ينكرون الظاهرة، إلا أن للنيويوركيين صوتهم المرتفع وجيوبهم العامرة، ولقد عزمنا على استخدام إمكانياتنا في مواجهة المشكلة. ومدينة نيويورك التي يبلغ عدد سكانها 8.5 مليون نسمة، هي الأكبر من بين المدن الأميركية. ولقد تبنّت مؤخراً إجراءات حاسمة للعمل على جبهتين. فنحن نطالب الآن بتعويضات من أولئك الذين يحققون مصالحهم الخاصة من ظاهرة التغير المناخي. ونخطط أيضاً لسحب وإخراج محافظنا الاستثمارية الضخمة من النظام الاقتصادي للولايات المتحدة بعد أن تأكدنا من أنها تسبب الأذى للناس والممتلكات والمدينة التي نحبها، وبحيث نوظفها في الاستثمار بطرق منتجة ومجدية. وخلال هذا الأسبوع، رفعت مدينة نيويورك دعوى قضائية في المحكمة الفيدرالية ضد خمس شركات كبرى تعمل بالوقود الأحفوري يمتلكها مستثمرون خواص، وهي: إكسون، وبي بي BP، وكونوكوفيليبس، وشيل، وشيفرون. وطالبنا فيها بتعويضات ضرر تُقدّر بمليارات الدولارات تسببت فيه هذه الشركات العملاقة باعتبارها تمثل الجهات اللاعبة الأساسية في خلق هذه الأزمة. ونحن فخورون بانضمام مدن أخرى لمبادرتنا مثل سان فرانسيسكو وأوكلاند وسانتا كروز وبمساعدتهم لنا على إجبار كبريات شركات النفط على المثول أمام المحكمة. ولقد دأب البعض من أرباب تلك الشركات على تفسير أسباب هبوب إعصار ساندي على أنه لا يعدو أن يكون مجرّد حالة مناخيّة شاذّة وعابرة، إلا أن مثل هذه العاصفة المهولة لا يمكن أن تتعلق بالظواهر المناخيّة وحدها. ومنذ عدة عقود، لم تتوقف الشركات النفطية الكبرى عن إصابة بيئتنا بالأضرار. وهي تعلم حق العلم بأنها كانت تبيع بعض المنتجات القاتلة ولكنها لم تكن تأبه لذلك. وهي التي اعتادت أن تستخدم نفس الأسلوب الذي تستخدمه شركات صناعة السجائر لإنكار مسؤوليتها عن الأضرار التي تصيب الناس بسببها، وكانت في الوقت ذاته تعمل كل ما يخطر على البال لاجتذاب المجتمع وترويج منتجاتها القاتلة. فهل نالت تلك الشركات العقاب الذي تستحقه بسبب ذلك؟ بالطبع لا، بل إنها تمكنت من كسب تريليونات الدولارات من نشاطاتها تلك. تخيل معي إلى أي درجة يمكن لهذا الأمر أن يستثير السخرية، ثم القِ نظرة من حولك على النتائج والعواقب. ومنها أن مساحات شاسعة من غابات وقرى ولاية كاليفورنيا التهمتها النيران. وهذا ما نراه الآن في ولاية فلوريدا أيضاً. ونحن نعلم أن جليد القطب الشمالي ينصهر ويتآكل. ولا زالت جزيرة بويرتو ريكو تعاني من أهوال إعصار ماريا. ودعنا نقولها الآن: «كفى». ولقد فات الكثير من الوقت الذي كانت فيه شركات النفط الكبرى معفاة من دفع الفواتير وتحمل المسؤوليات عن الدمار الذي تسببت فيه. وسوف يمثل إجبارها على تحمل تلك المسؤوليات الخطوة الأولى ولكنها ليست كافية. ونحن نعلم أن في وسعنا أن نفعل أكثر من ذلك. وسنتوقف عن الاستثمار في «وقود الأمس» حتى نتمكن من الاستثمار في «وقود الغد». ولقد قررت مدينة نيويورك سحب صناديقها الاستثمارية من الكيانات والشركات التي تعمل في الوقود الأحفوري. ويصل المبلغ الإجمالي الذي نعتزم استثماره في الوقود النظيف إلى نحو 5 مليارات دولار. ولم تلتزم أي مدينة أخرى في الولايات المتحدة بتبني مثل هذا الإجراء. وسوف نكون الأوائل في هذا المجال، ولكننا نأمل ألا نكون الأخيرين. وسوف نعمل على تخفيض الانبعاثات الغازية الضارة التي تتسبب بها مدينة نيويورك بنحو 80 بالمئة بحلول عام 2050. وسنلتزم بتوصيات اتفاقية باريس للمناخ التي تحدد أقصى ارتفاع مسموح به لدرجة حرارة جو الأرض بأقل من 1.5 درجة مئوية. وسوف نطلب من أصحاب المباني الضخمة والأكثر تسبباً في تلوث المدينة وتنتج 24 بالمئة من غازات الاحتباس الحراري أن تعمل على تخفيضها أو أن تتحمل أعباء دفع الغرامات المالية. ونسعى الآن لبناء مدينة يمكنها أن تكون أكثر قدرة على الصمود أمام ظاهرة ارتفاع سطح البحار بسبب انصهار الجليد القطبي، وأيضاً أمام الأعاصير العاتية. بيل دو بلاسيو عمدة مدينة نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»