ربما يحصل الرئيس دونالد ترامب على موافقة النائبين «الديمقراطيين» في الكونجرس «تشارلز شومير» و«نانسي بيلوسي» على بناء الجدار العازل على طول الحدود مع المكسيك، إلا أن هذا الجدار لا يمثل فكرة جيدة، بل هو مشروع لا ضرورة له، وربما يفتح نافذة للنصب والاحتيال. وقد يكون هذا هو سبب اعتراض العديد من أعضاء الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» على إجازته. كما أن الجدران الحدودية لا تتفق مع الطبيعة الجغرافية للحدود الأميركية المكسيكية؛ لأن معظم الأراضي والمنشآت الممتدة على طول تلك الحدود هي ملكيات خاصة لمواطنين من الذين لا يرغبون بأن يأتي أحد ليدمّر ممتلكاتهم. وربما تكون المشاكل الهندسية التي ينطوي عليها تنفيذه أقل صعوبة من قضايا الفرز القانوني للممتلكات التي سيتم البناء فوقها. وكل تلك المشاكل تهون أمام تهديد آخر يرتبط بإمكان استخدام السلالم لتخطي الجدار. وفي بعض الأحيان، نلاحظ استبعاد النظر إلى أهمية الخبرة في الجدل الدائر حول ملف الهجرة. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى أن سياسة الهجرة يتقاذفها طموحان متناقضان لا يمكن التوفيق بينهما. فهناك من جهة أولى محرك الحرية الإنسانية إزاء الناس الذين عبروا الحدود بطريقة غير قانونية من أجل عيش حياة أفضل والانضمام إلى المجتمع الأميركي. وهناك من جهة ثانية الإجراءات الصارمة لمنعهم من اجتياز الحدود بطرق غير قانونية. ولا توجد ثمة من طريقة لتقريب وجهتي النظر إلا بالاحتكام إلى المرونة الكافية لمعالجتهما بإنصاف. وبناء على ذلك، يمكن أن يكون ثمن الحرية التي يتمتع بها المهاجرون غير الشرعيين الذين يعيشون في أميركا بمن فيهم المتعلقون بـ«الحلم الأميركي» والذين أتوا إلى هنا عندما كانوا أطفالاً، يتعلق فقط بصيغة جديدة لضمان المزيد من الأمن أثناء وجودهم. ولا يمكن للمحافظين في الكونجرس أن يواجهوا ناخبيهم لو أنهم وافقوا على شرعنة وجود الغرباء المقيمين بطريقة غير قانونية. فما بالك بفكرة منح حق المواطنة لنحو 11 مليوناً منهم في الولايات المتحدة، ومع غياب كل ما يوحي بأن هذه المشكلة لن تتكرر خلال العقود القليلة الماضية. ويمكن لمراجعة سريعة لتاريخ أميركا، ونظرة متأنية على طبيعتها الجغرافية، وخاصة حدودها وشواطئها الممتدة على مسافات شاسعة، ووجود آلاف المطارات قريباً من المناطق الحدودية، والقوة المغناطيسية الخفيّة التي تجتذب أولئك الذين شعروا بالإحباط في وطنهم، أن تتضافر جميعاً لتجعل من تحقيق مشروع بناء الجدار هدفاً بعيد المنال. وتكمن الطريقة الوحيدة لتأسيس «جدار أمني» يمنع الهجرة غير الشرعية في إقامة نظام رادع مثل «نظام التأكد من الأهلية» E-Verify، والذي يمنع المهاجرين غير المسجلين في ملفات دائرة الهجرة من الحصول على عمل داخل الولايات المتحدة. والآن، هناك العديد من الشركات والمؤسسات التي تعمل في مجالات الزراعة والبناء ومعالجة وتصنيع المواد الغذائية، والتي لا ترغب في تبنّي ذلك النظام. وحتى لو فعلت ذلك، فسوف تفعله بطرق خادعة لأن من المعروف أن العديد من أرباب العمل يلجؤون للمخادعة من أجل تحقيق الأرباح. وبطريقة أو بأخرى، يكون علينا أن ننتظر إهدار مليارات الدولارات على الأمن من خلال تعقب «الحالمين» وصدّهم، ومعظم هذا الإنفاق لن يحقق المراد منه. ولقد سبق الاعتماد على وسائل ناجحة أخرى. وعلى سبيل المثال، أدت مضاعفة دوريات شرطة الحدود واستخدام تقنيات المراقبة المتطورة منذ عام 2004، إلى جعل عملية اقتحام الحدود بطريقة غير قانونية بالغة الصعوبة. ومع ذلك، فلقد أدت هذه الإجراءات إلى تغيير المهاجرين لطريقة العبور ذاتها. وهناك أعداد غفيرة من المهاجرين الذين يفرّون من العنف المستشري في بلدان أميركا الوسطى ولا يحلمون إلا بدخول الولايات المتحدة. ويمكن القول بأن عسكرة الحدود الأميركية المكسيكية أدت إلى تكريس البراعة لاختراقها من طرف المهاجرين غير الشرعيين. وأصبح المهاجرون يدفعون الآن «إتاوات» أكبر للوكالات المتخصصة بتهريبهم لعبور الحدود إلى أميركا. ولا شك أن زيادة ثروات أولئك المهربين ليست الهدف المطلوب من تلك الإجراءات. وبات من الواضح أن إنفاق الأموال على المشاريع الهادفة لصدّ المهاجرين لا يعدو أن يكون نوعاً من الصفقة السياسية. وحتى لو كان إهدارها بلا فائدة، فإن المهم هو أن يرضي ذلك بعض الفئات السياسية الفاعلة. وبأخذ كل هذه الحقائق بعين الاعتبار، يمكن القول إن الموافقة على بناء الجدار لا يمثل أكثر من تنازل بسيط يمكن أن يقدمه «الديمقراطيون» لترامب و«الجمهوريين». وذلك لأن بناءه أصبح رمزاً في نظر الناخبين الذين صوتوا لصالح ترامب في انتخابات عام 2016، ولكنه لا يشكل في حقيقة الأمر إلا «صرحاً ترامبياً» مضاداً يقف في وجه الحرية البشرية. فرانسيس ويلكينسون: كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»