أنزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستشاره «ستيفن بانون» من قطار الرئاسة بلا رجعة، وهو ما يصب في مصلحة الرئيس. والآن عليه أن يُنزل من قطاره قليلاً من الركاب المزعجين الذين أحضرهم وروّج لهم «بانون»، من العنصريين والمعادين للسامية، والذين يمثلون عبئاً ثقيلاً يعترض نجاح ترامب، ويسحبون رئاسته إلى القاع. وحُقّ لترامب أن يحظى بشعبية فائقة في الوقت الراهن؛ ذلك أنه في ظل قيادته، يُوشك الاقتصاد على دخول الربع الثالث من النمو المتواصل بنسبة تفوق 3 في المئة. وبلغ معدّل البطالة أدنى مستوى في 17 عاماً، وقد أجرى إصلاحاً تنظيمياً وضريبياً تاريخياً، وضمّ قضاة «محافظين» إلى المحكمة العليا، وأسقط تنظيم «داعش»، وفي ظل ذلك السجل، كان ينبغي أن تكون مستويات تأييده مرتفعة في استطلاعات الرأي، وأن تتسع قاعدة شعبيته. ورغم ذلك، تقلصت معدلات تأييد ترامب ولم تتسع. فبعد تنصيبه، بلغت مستويات التأييد 41 في المئة، بينما بلغت نسبة غير المؤيدين 46 في المئة، بحسب استطلاعات «فايف ثيرتي إيت». وأما الآن، فتراجعت نسبة التأييد ثلاث نقاط إلى 38 في المئة، بينما قفزت نسبة غير المؤيدين 10 نقاط إلى 56 في المئة. ويرجع ذلك إلى شعور كثير من الأميركيين بعدم الارتياح إزاء سياسات ترامب في البيت الأبيض، رغم ازدهار الاقتصاد، وسجل الإنجازات السياسية. وثمة أسباب كثيرة وراء عدم الارتياح ذلك، وكثير منها يمكن وصفه بـ«إضرار الذات». غير أن السبب المهم هو الارتباط المتصور بين ترامب و«اليمين المتطرف»، ويرجع ذلك الارتباط بشكل كبير إلى العلاقة، التي انتهت الآن، بين الرئيس و«بانون». واليمين المتطرف حركة ضعيفة، وكانت ستظل على الهامش لولا «بانون». وفي ستينيات القرن الماضي، طُردت حركة «اليمين المتطرف»، التي كانت متمثلة آنذاك في «جمعية جون بيرش»، من «اليمين الأصيل»، بفضل «ويليام باكلي»، ومجلته «ناشيونال ريفيو». لكن «بانون» وموقعه الإخباري «بريتبارت»، فعل العكس، ودفع بـ«اليمين المتطرف» إلى الواجهة السياسية من خلال ارتباطه بترامب. وفي المؤتمر «الجمهوري» الذي رشّح فيه الحزب ترامب للرئاسة، تفاخر «بانون» بأنه جعل من «بريتبارت» منبراً لـ«اليمين المتطرف». ونشر مقالات امتدحت، من بين آخرين، أحد القوميين البيض «ريتشارد سبنسر» باعتباره واحداً من رواد الحركة، و«سبنسر» هو من قاد حشد «اليمين المتطرف»، الذين رفع كثير منهم أسلحة مرددين التحية النازية، وساعد في تنظيم حشد النازيين الجدد الذي وصل به المآل إلى تظاهرة عنصرية في «شارلوستفيل» في أغسطس الماضي، وقُتل أثنائها شخص وأصيب آخرون. وقد كان ارتباط ترامب بـ«بانون» كارثياً لرئاسته وللقضية «المحافظة» برمتها. ومثلما قال ترامب: «إن ستيف بانون لم يفعل سوى القليل في انتصارنا التاريخي، الذي حققه المنسيون من رجال ونساء هذه الدولة، ورغم ذلك كان ستيف مسؤولاً مسؤولية كاملة عن خسارة مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما شغله (الجمهوريون) لأكثر من ثلاثين عاماً، فهو لا يمثل قاعدتي، ولا يمثل إلا نفسه». وترامب محق في أن رجال ونساء هذه الدولة، الذين حققوا له الانتصار، ليسوا عنصريين، وليسوا جزءاً من حركة «اليمين المتطرف» التي روّج لها «بانون». وعمال مصانع الحديد الذين فقدوا وظائفهم بسبب الإغراق غير القانوني من الصين، وعمال المصانع الذين خسروا عملهم بسبب انتقال المصانع إلى الخارج وعمال مناجم الفحم الذين تضرروا من تشديد قوانين البيئة هم من صوتوا لترامب، رغم «حركة اليمين المتطرف»، وليس بسببها. مارك إيه تايسين زميل «معهد أميركان إنتربرايز» وكاتب سابق للخطب الرئاسية في إدارة «جورج بوش» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»