إيران دوماً ترفع شعار«المظلومية» الذي جعلته وسماً وأيقونة تتدثر بها في الدفاع عن المستضعفين في الخارج، بينما تتجاهل مظلومية الإيرانيين في الداخل، وتعطي جل اهتمامها لمد نفوذها الخارجي على حساب شعبها، الذي يرزح تحت رِبقة الفقر والجوع وكبت الحرّيات. وتعد المظاهرات الحالية هي الأكبر منذ نظيرتها التي اندلعت عام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية، التي قمعها الأمن بشكل عنيف واعتقل قائديها حسين موسوي ومهدي كرّوبي، ضمن صراع بين "الإصلاحيين" و"المحافظين" - كلاهما من عجينة النظام - وضمن دائرته المغلقة، في لعبة توزيع أدوار يحركهما المرشد الأعلى للثورة، ليخيل للجمهور والخارج أنها ديمقراطية، بنكهة التحايل الشرعي. من غرائب نظام الملالي، أن إعلامه انشغل بالطفلة الإيرانية «زهراء» لاعبة الجمباز، التي عمرها 10 سنوات، ولعبت في الخارج بمبادرة شخصية من أبيها، لكن تم تهديدها بالمحاكمة، لأنها لم تلبس الحجاب، بينما الشرطة الإيرانية تقتل طفلة أحوازية أثناء اعتقال والدها! هذه المرة لم تندلع شرارة المظاهرات في العاصمة طهران، مثلما حدث قبل 8 سنوات، والتي كانت احتجاجاً على نتائج الانتخابات، ولم تقدها فئة الطبقة المتوسطة، بل الطبقة المسحوقة والمهمشة، التي دعمت أحمدي نجاد في الماضي، إضافة إلى جزء من الطبقة المتوسطة. هذه الفئات طال صبرها وانتظارها لوعود الرئيس روحاني، عقب الاتفاق النووي وحصول إيران على مليارات الدولارات التي تم توزيعها على ميزانية الحرس الثوري والحوزات العلمية والمرافق المرتبطة بمرشد الثورة علي خامنئي. بعدها شعرت الطبقات الشعبية بالخيانة والخذلان، وطفح الكيل بعد أن أعلن الحرس الثوري خسارة بنوكه في مدينة مشهد، حيث فقد الناس مدخراتهم، فبدأت المظاهرات في شوارع مدينة مشهد التي أحدثت مفاجأة للجميع بدءاً بالنظام نفسه، وامتدت إلى المدن الأخرى حتى وصلت لطهران. بالطبع هناك أسباب اقتصادية واجتماعية محاطة باختناق سياسي متراكم منذ اندلاع ثورة الخميني 1979 والنهب والحرمان وغياب الخدمات الصحية وانعدام العيش الكريم وكبت الحريات وتزايد عدد المسجونين الذين وصل عددهم إلى 600 ألف سجين. وتشير الأرقام إلى وجود 11 مليون إيراني مهمشين، بجانب مليون ونصف من مدمني المخدرات. كما تشير بعض التقديرات إلى أن ديون إيران الخارجية بلغت 18 مليار دولار. قد رأينا في التواصل الاجتماعي المرأة الإيرانية، تقول «نحن لدينا كل شيء و(العرب) لايملكون ما نملك، لكنهم يعيشون أفضل منا". يحاول النظام الإيراني أن يخفي الفيل خلف أصبعٍ واحدةٍ، بهروبه إلى الأمام حتى لا يلامس أسباب الانتفاضة، ويكرر أنماطاً جاهزة، أصبحت لا يلتفت اليها أحد، حيث يقول فيها خامنئي "إن المظاهرات هدفها عرقلة تحرير القدس وأنها مؤامرة خارجية وأنهم أعداء الثورة". أسس ابن خلدون نظريته في عوامل قيام الدولة وفنائها بفرض أن(للأمم دورة حياة تشبه دورة حياة الإنسان تتعدد مراحلها.. ومن أهم أسباب الفناء تلك أن تترك الدولة قضاياها الأساسية جانباً، لتنساق...خلف أوهام يكون من شأنها تسريع استجابتها للأفول). الجمهورية الإسلامية الإيرانية شاخت ولم تجدد نفسها نظاماً وتشريعاً وأشخاصاً، فبقيت تجتر أيديولوجية مهترئة بعيدة عن قيم الدين الإسلامي الحنيف. ونظرية "ولاية الفقيه" لايقرها معظم علماء الشيعة المعتبرين ومنهم، السيد السيستاني المرجع الشيعي في العراق، والمرحوم السيد حسين فضل الله وغيره.. قد تفتُر المظاهرات أو حتى يتم قمعها بعدة وسائل، ولن يلجأ النظام إلى الجيش خوفاً من انحيازه للشعب، لكن الشعب حطم حاجز الخوف وبفعل ما يردده المتظاهرون "الموت للديكتاتور خامنئي" وحرق صوره، ووضعها تحت الأقدام، بذلك يكون شخص خامنئي قد فقد «قدسيته» لدى الشعب الإيراني، وهي بداية لأفول إمبراطورية ولاية الفقيه، بفعل شيخوخة النظام وكراهية الشعب له.