في الوقت الذي شهد فيه العام المنصرم العديد من الإنجازات على صعيد الصحة العامة من منظور دولي، مثل إنشاء مفوضية عليا دولية لمكافحة الأمراض غير المعدية، وإطلاق تقرير الوضع الغذائي العالمي ضمن فعاليات القمة العالمية للتغذية، وإصدار أطلس صحة الأطفال والبيئة عن منظمة الصحة الدولية، شهد أيضاً هذا العام العديد من الاختراقات الطبية على صعيد تشخيص الأمراض وعلاجها، بشكل قد يغير من وجه الطب الحديث في المستقبل القريب. ففي مجال علاج الأمراض السرطانية، شهد العام الماضي اختراقات واعدة في مجال استخدام الفيروسات في قتل الخلايا السرطانية وتخليص الجسم منها، من خلال ما يعرف بأسلوب العلاج الفيروسي (Virotherapy). ويعتمد هذا الأسلوب على سبل التقنية الحيوية أو البيوتكنولجي لتحويل الفيروسات إلى أدوات علاجية، من خلال هندستها وراثياً، وتغيير تركيبتها الجينية، بحيث تستهدف وتقتل الخلايا السرطانية بالتحديد. وكنتيجة للتطورات والاختراقات التي تحققت في عالم الهندسة الوراثية، وبالتحديد في قدرة العلماء على تغيير التركيبة الجينية للفيروسات، شهد العام الماضي زيادة ملموسة في عدد المنح والهبات العلمية المخصصة من قبل الجامعات والمراكز البحثية ونظم الرعاية الصحية، لدعم العلماء العاملين في هذا المجال. وربما كان أيضاً من أحد أهم الاختراقات الطبية العام الماضي، هو بزوغ فجر جيل جديد من المضادات الحيوية الخارقة، حسب نتائج تجربة علمية نشرت بداية شهر يونيو الماضي في المجلة العلمية للأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة، كان قد أجراها مجموعة من العلماء في معهد بحثي بمدينة «سان دييجو» بولاية كاليفورنيا. في هذه التجربة الفريدة، نجح علماء المعهد في إعادة تصميم تركيب مضاد حيوي معروف وشهير، كانت البكتيريا قد تمكنت سابقا من توليد مقاومة ضده أفقدته فعاليته. ولكن مع التركيب الجديد استعاد المضاد الحيوي فعاليته مرة أخرى، وبقوة ثلاثية، جعلته أكثر فعالية بـألف مرة مقارنة بفعاليته السابقة، ليكون بذلك مضاداً حيوياً خارقاً بمعنى الكلمة. واستطاع العلماء تحقيق هذا الاختراق بعد أن مكنت التعديلات الكيميائية المضاد الحيوي، من مهاجمة البكتيريا على ثلاث جبهات في آن واحد، وهو أمر إذا ثبت في التجارب السريرية، فسيعتبر ثورة في عالم المضادات الحيوية. وضمن مجال مكافحة الأمراض المعدية، تناقلت وسائل الإعلام العالمية بداية مايو الماضي، خبر عزم منظمة الصحة الدولية إطلاق أول حملة تطعيم ضد الملاريا في 2018، بالاعتماد على التطعيم الوحيد المتوفر حالياً، وفي ثلاث دول أفريقية فقط، هي غانا وكينيا ومالاوي. حيث سيتم تطبيق هذا البرنامج الاستكشافي على 750 ألف طفل في تلك الدول الثلاثة، تتراوح أعمارهم بين خمسة وسبعة عشر شهراً، نصفهم فقط سيتلقى التطعيم، لمعرفة مدى فعاليته وكفاءته في الوقاية من الإصابة بالملاريا. وتعقد المنظمة الدولية آمال كبيرة على هذا التطعيم، في ظل حقيقة أن الخيارات الأخرى لمكافحة طفيلي الملاريا محدودة، أو ربما حتى غير متاحة، وخصوصاً مع تزايد ظاهرة مقاومة الطفيلي للعقاقير المضادة للملاريا، واستمرار الطفيلي في حصد مئات الآلاف من الأرواح البشرية سنوياً. حيث يقدر أن الملاريا لا زالت تقتل نحو 750 ألف شخص سنوياً، من بين 300 مليون يتعرضون للعدوى كل عام، مما يضع الملاريا في مرتبة متقدمة على قائمة أسباب الوفيات من الأمراض المعدية. ومن العلامات الفارقة أيضاً على صعيد مكافحة الأمراض المعدية خلال العام الماضي، انعقاد منتدى الصحة العالمي في مدينة أبوظبي منتصف شهر نوفمبر، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو المنتدى الذي حمل عنوان «بلوغ آخر ميل.. العمل معاً من أجل القضاء على الأمراض المعدية»، وحضره أكثر من 200 شخصية بارزة في قطاع الرعاية الصحية العالمية. وضمن فعاليات المنتدى، وبالتعاون بين ديوان ولي عهد أبوظبي ومركز كارتر، احتل معرض «العد التنازلي للصفر» أهمية خاصة، حيث دار موضوعه ومعروضاته حول الاحتفاء باقتراب تحقيق هدف القضاء على «دودة غينيا». فمنذ آخر حالة للإصابة بفيروس مرض الجدري عام 1977 في الصومال، لم ينجح الإنسان في القضاء التام على مرض معد آخر، وهي الحقيقة التي ربما قد تتغير عن قريب، مع الاقتراب من تحقيق هدف القضاء على مرض «دودة غينيا». وبالإضافة إلى ذلك، تبذل حالياً جهود هائلة للتحكم، وربما القضاء التام على عدد من الأمراض المعدية الأخرى، مثل شلل الأطفال، والملاريا، وديدان الفلاريا، والتراكوما، وعمى النهر، وهي الأمراض التي ألقى معرض المنتدى الصحة العالمي في أبوظبي حينها، المزيد من الضوء عليها وعلى الجهود الرامية لمكافحتها.