مع اقتراب نهاية العام الأول للرئيس دونالد ترامب في منصبه، فإن صدور تقرير توظيف قوي آخر، وتمكن سوق الأوراق المالية من المحافظة على قوته، سيمثلان عاملين يجعلان من الملائم بالنسبة لي أن أقوم بإعادة النظر في الحكم الذي أصدرته منذ عام تقريباً، ومؤداه أن الاقتصاد الأميركي يمر بفورة نشاط عابرة، مدفوعة بمحفزات معينة. ومن سوء الحظ، أن أفضل دليل متاح الآن، يشير إلى أن مؤشرات السوق الحالية، وقوة الاقتصاد، يرجعان لحد كبير لأسباب لا علاقة لها بسياسات الحكومة، وأن محفزات القوة الاقتصادية لهذا العام مؤقتة على الأرجح، وأن الأساس البنيوي للاقتصاد الأميركي مازال ضعيفاً. تشخيص هذه الحالة بأنها مجرد فورة نشاط عابرة، يبقى هو التشخيص الصحيح، لكن منح تخفيضات ضريبية هو، وإلى حد كبير، الوصفة الخطأ لعلاج هذه الحالة. ومن المتوقع أن تصل نسبة النمو الإجمالي لعام 2017 إلى 2.3%، وهي نسبة وصلها الاقتصاد في فترة أسرع نسبياً من الفترة التي كان الإجماع قد استقر عليها قبل انتخاب الرئيس. أما التوقعات المُجمع عليها لعام 2018 فأكبر بنسبة طفيفة مما كانت عليه قبل الانتخابات. لذلك يمكن القول إنه لم يحدث في الواقع تحسن جوهري في الاقتصاد، وإن أداء الاقتصادي الأميركي عموماً كان متخلفاً عن أداء اليابان وألمانيا، مما يفند فكرة أن السوق مدفوع بعوامل سياسية تخص الولايات المتحدة. وبناءً على ذلك، فإن الفكرة القائلة بوجود عوامل اقتصادية أساسية خاصة بالولايات المتحدة، قد شهدت تحسناً ملحوظاً منذ الانتخابات الرئاسية، باتت موضعاً للتشكيك، خصوصاً أن الدولار قد انخفض بنسبة 8% مقابل الين، و7% مقابل اليورو. فلو كان هناك عامل أساسي قد لعب دوراً في تحسين بيئة الأعمال في الولايات المتحدة، لكنا قد رأينا تدفقات لرؤوس الأموال لأسواق أميركا، وارتفاعاً في قيمة عملتها. السؤال هنا هو: هل يمكن استمرار النمو الذي شهدته الولايات المتحدة في عام 2017 على المدى المتوسط؟ يبدو هذا أمراً غير مرجح، من زاويتَي العرض والطلب على حد سواء. فمن زاوية العرض، من الصعب تصور أنه مع وجود بطالة بنسبة 4.1%، يمكن للاقتصاد الاستمرار في توفير عدد يقرب من 200.000 وظيفة شهرياً. ومن منظور الطلب، يجب أن نأخذ في اعتبارنا أن النمو في هذا العام، كان مدفوعاً في جزء كبير منه بزيادة مقدارها 6 تريليونات دولار في ثروة الأسر الأميركية نتيجة ارتفاع القيمة السوقية للأسهم. وهذه التوقعات الضعيفة لإمكانية حدوث نمو مستدام وسريع الوتيرة، ليست مفاجئة، بالنظر إلى ضعف أساس الاقتصاد. فرغم الانخفاض القياسي للتكاليف، والسيولة النقدية الوفيرة للشركات، التي كان يجب أن تكون محفزاً على الاستثمار، فإن نمو الإنتاجية كان بطيئاً. وبطء الإنتاجية يمثل مشكلة كبيرة، لأن الوضع الطبيعي هو أن تكون هناك حاجة ماسة لتحقيق تسريع كبير في معدل نمو الإنتاجية، حتى يمكن المحافظة على معدل التوسع الاقتصادي في السنوات المقبلة. وحتى لو أمكن الحفاظ على النمو، أو تسريعه بطريقة أو بأخرى، فالشيء الأساسي كي يكون الاقتصاد قوياً، هو أن يتم تقاسم عوائده على أوسع نطاق ممكن، وهو ما لا يحدث في الولايات المتحدة للأسف، حيث نرى تزايداً مطرداً لظاهرة عدم المساواة، واستحواذاً من قبل نسبة قليلة من السكان، على جزء كبير من عائد النمو الاقتصادي. ولن يكون هناك أيضاً نمو مستدام، وذو معنى، في صافي الأجور التي يحصل عليها العاملون، من دون اتخاذ تدابير ناجحة لتعزيز نمو الإنتاجية، وتحقيق مزيد من المساواة، وهما الوسيلتان اللتان يمكن أن تمكنانا من تحقيق نمو صحي. ومشروع قانون التخفيض الضريبي الخاضع للمناقشة حالياً في «كابيتول هيل»، يؤدي في واقع الأمر إلى تفاقم كل مشكلة مهمة يدعي معالجتها. وأهم هذه المشكلات قاطبة أن ذلك التشريع في حالة إقراره، سيترك الحكومة الاتحادية بقاعدة إيرادات غير كافية على الإطلاق. ومع أن الأمر المؤكد هو أن لجنة الميزانية الممثلة للحزبين، والتي يطلق عليها لجنة «سيمبسون- بولز»، لم تكن متحيزة تجاه الحكومة الكبيرة، لكنها خلصت إلى نتيجة مؤداها أن الحكومة الاتحادية تحتاج إلى قاعدة إيرادات تبلغ 21% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن مشروع قانون التخفيض الضريبي، موضع النظر حالياً، سيترك للحكومة الاتحادية عائدات تبلغ 17% من الناتج المحلي الإجمالي فقط - وهو فرق يصل إلى تريليون دولار سنوياً، في الميزانية. وسيؤدي هذا النقص في العائدات إلى تقليص مستويات الاستثمار العام الحالية - وهي أصلا مستويات غير كافية - في مجال البنية التحتية، ورأس المال البشري، والعلوم. وسيعني هذا على الأرجح المزيد من التقليص في برامج شبكات الأمان، والمزيد من المعاناة للناس الذين سيخرجون من هذه البرامج. ونظراً لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة العجوزات، والتكاليف الرأسمالية أيضاً، فإن الأمر المتوقع هو أن يثبط قدراً من الاستثمارات الخاصة، يساوي ذلك الذي سيحفزها. التخفيضات الضريبة، قد تطيل أمد فورة النشاط الاقتصادي العابرة والمحفّزة لبعض الوقت، ولكنها لا تمثل بديلاً عن أساس اقتصادي جديد، نحتاج إليه بصورة ماسة. ------------------------- لورانس إتش. سمرز* *أستاذ ورئيس سابق لجامعة هارفارد، شغل منصب وزير الخزانة بين 1999 و2001 ----------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»