ناقوس الخطر يدق محذراً من جهود الصين العالمية، فقد أغرت بكين بعضاً من أبرز الشركات الأميركية بعروض تشمل السماح لها بالوصول إلى سوق مستهلكيها العملاقة. وبالمقابل، وافقت شركات مثل «أبل» و«لينكد-إن» على الرضوخ لقواعد الصين والإذعان لما يرقى في الواقع إلى رقابة. وفي الجامعات الأميركية، جاء تلقي تمويل من «معهد كونفوشيوس» المدعوم من بكين بثمن باهظ تمثل في الحرية الأكاديمية: فهناك مخاوف متزايدة من أن تمنع المراكز اللغوية والثقافية الممولة من قبل المعهد النقاشات حول مواضيع تضع الصين تحت ضوء الانتقادات. وفي أماكن أخرى، اتُّهمت بكين بتحريك الخيوط في ديمقراطيات غربية. غير أن ما قد يبدو للوهلة الأولى كمؤشرات على تزايد قوة الصين، يتضح أنه خطوات استراتيجية خاطئة بالنسبة للصين. ذلك أن بكين أخذت تعاني الإنهاك بسبب تمددها المفرط وبدأت تحرق الجسور مع الغرب والعالم النامي. فبعد عقدين من توسيع العلاقات الاقتصادية مع أستراليا، تكتفي الصين اليوم بالمشاهدة، بينما يقوم رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم ترنبل بإصلاح قوانين التجسس والتدخل الخارجي في بلاده، لأسباب من بينها التصدي للنفوذ الصيني. ورغم الاستقبال الحار للرئيس الأميركي دونالد ترامب في بكين الشهر الماضي، فإن الولايات المتحدة صنّفت الصين مؤخراً اعتبارها منافساً ضمن استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، وتبحث إمكانية توسيع «قانون تسجيل العملاء الأجانب» لكبح البروباجندا والمعلومات غير الصحيحة من وسائل الإعلام ومراكز البحوث الصينية. وحتى في الاتحاد الأوروبي، الذي يُعد أكبر شريك تجاري للصين، تسببت بكين في ازدياد المخاوف. فمؤخراً، اتهمت وكالة الاستخبارات الألمانية الصين بتلغيم البيانات الشخصية لسياسيين ودبلوماسيين ألمان. كما طلب أنديرس فوغ راسموسن، رئيس الوزراء الدانماركي السابق ورئيس حلف الناتو، من الاتحاد الأوروبي وضع معايير للتحقيق في الاستثمارات الصينية في القارة وإمكانية تقييدها. هذا الموقف يشبه موقف زعماء أوروبيين آخرين يحاججون بأن بكين أبقت الباب مسدوداً في وجه الاستثمار الأجنبي في قطاعات كثيرة جداً من اقتصادها فيما تقوم هي باستغلال انفتاح الأسواق الأوروبية وانتزاع أبرز شركات التكنولوجيا الأوروبية خلال السنوات القليلة الماضية. وما فتئت المطالب تتزايد لبكين بمعاملة الشركات الأوروبية في الصين على نحو منصف. وفي ضوء هذه المقاومة، قد يشهد عام 2018 جهوداً جديدة لمواجهة التحدي الصيني. وقد تؤدي تدخلات الصين الأخيرة إلى توسيع التعاون الأمني بين «رباعي» منطقة آسيا والمحيط الهادئ: الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا. وتبدو اليابان والهند حريصتين على إيجاد طرق جديدة لمواجهة الهيمنة الصينية على الطرق المائية الآسيوية. ومن جانبها، تعتزم أوروبا، التي تتطلع إلى أن تصبح تجارتها أقل اعتماداً على الصين، التركيز بشكل أكبر على شركاء اقتصاديين كبار آخرين. ولهذا الغرض، وقَّعت مؤخراً اتفاقية تجارة حرة جديدة مع اليابان قد تمثل 40% من التجارة العالمية. والواقع أنه لا ينبغي أن نتفاجأ بكون القوى الصاعدة لا تجيد كسب أصدقاء جدد، لاسيما بين الديمقراطيات الراغبة في الأسواق الحرة وحرية التعبير. وإذا كانت بكين تسعى لتهدئة المخاوف الغربية على خلفية تأثيرها في السياسة والمجتمع، فقد يتعين عليها إعادة النظر في سياستها التي تولي الأولوية للمكاسب الاقتصادية. وبالمقابل، سيكون من مصلحة الصين استحضار تاريخها الخاص بالاستياء من التدخلات الخارجية، والسعي لبناء تعاون وتوافق جديدين مع الغرب. والحق أن بكين أخذت تدريجياً تبني علاقات أكثر دفئاً مع طوكيو استناداً إلى التعاون الاقتصادي والاجتماعي، ما قد يفتح الطريق للصين كي تتغلب على خلافاتها مع الديمقراطيات الغربية، والإحجام عن التدخل السياسي، وإعادة التركيز على بناء شراكات تستطيع توسيع التجارة والاستثمار اللذين أوصلاها إلى قمة الاقتصاد العالمي. وتودع الصين عام 2017 بعلاقات متشنجة مع معظم البلدان الغربية. وإذا لم تتراجع عن تدخلاتها في الديمقراطيات الغربية، فإن تمددها المفرط سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص قوة الصين العالمية. لوك باتي باحث في المعهد الدانماركي للدراسات الدولية ينشر برتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»