أقام الرئيس التركي أحلامه بالزعامة الإسلامية على دعامتين، الأولى هي فروع تنظيم «الإخوان» في الدول العربية والإسلامية وبين الجاليات المسلمة، فـ«الإخوان» يسبّحون بحمد أردوغان صباح مساء، ويصنعون منه بطلاً في أعين الناس، ويشنّعون في الوقت نفسه على قادة دولهم ويصفونهم بكل ما هو قبيح. أما الدعامة الثانية للأحلام الأردوغانية فقد كانت الصورة البرّاقة للدولة العثمانية في مختلف الدول العربية، خصوصاً الدول الخليجية، فقد صنع «الإخوان» هذه الصورة الكاذبة للأتراك العثمانيين عبر التأريخ المزيف لتلك الحقبة، وعبر المساهمة في وضع المناهج التعليمية، وعبر جيش من الكتّاب والباحثين والمعلمين على مدار عقود طويلة، حتى صارت روايتهم هي الرواية الرسمية. تحطّمت في السنوات الأخيرة الدعامة الأولى لأحلام أردوغان، بعد أن قامت بعض الدول العربية، كالإمارات والسعودية ومصر، بقصقصة أجنحة «الإخوان» في كل مكان، حتى كادت أن تطير أحلامه لولا وجود الدعامة الثانية، فصارت المحافظة على الصورة اللامعة لتاريخ أسلافه أحد همومه اليومية، إلى جانب همّ إطعام فلول «الإخوان» الذين فزعوا إليه. وهذا في اعتقادي يفسّر هيجان أردوغان عند الاقتراب من تاريخ أجداده في المناطق العربية التي كانت واقعة تحت سلطان الدولة العثمانية البائدة، فلمجرد تغريدة تضمّنت جزءاً صغيراً من الجرائم الكبرى للأتراك العثمانيين في المدينة المنورة، أعاد إرسالها سمو الشيخ عبدالله بن زايد في حسابه الشخصي على موقع «تويتر»، هاج أردوغان وخصص خطبة غبية للدفاع عن أسلافه اللصوص والقتلة، وحرّك أيضاً أركان نظامه وإعلامه وصغار الدوحة الذين تحت حمايته، بدلاً من أن يعتذر عن ذلك التاريخ الإجرامي، أو حتى يتبرأ منه، أو في أسوأ الأحوال ينكس رأسه ويصمت. تحوّل أحلام أردوغان بالزعامة إلى كوابيس يقظة جعلت منه شخصاً أهوج لا يثمّن ما يقوله، فهي ليست المرة الأولى التي يخرج فيها عن طوره، ويظهر كفتوات مقاهي الأحياء الشعبية، ففي السنوات الأخيرة خرج من فمه الكثير من الهلاوس والترّهات، التي تؤكد أن الكوابيس باتت تسيطر عليه، ولعلّ الوقت قد حان لكنس كل الأكاذيب التي أدخلها «الإخوان» في الفضاء العربي حول عظمة جرائم الأتراك العثمانيين، خصوصاً في المناهج التعليمية، بل الكنس وحده لا يكفي، إذ من المهم أن تكون تلك الفظائع حاضرة في الأذهان وتدرّس للأجيال، لئلا تتكرر من جديد على يد أحفاد اللصوص والقتلة، بالدواعي والمزاعم الدينية نفسها. ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى ما فعلته وزارة التربية والتعليم المصرية، حيث قامت قبل سنوات قليلة بتغيير درس «الفتح العثماني لمصر» إلى «الغزو العثماني لمصر» في أحد كتبها المقررة على طلبة المدارس، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المناهج المصرية. وفي شرح درس الغزو العثماني يوضّح الكتاب «أن السبب في وقوع الغزو هو رغبة السلطان العثماني سليم الأول في توسيع‏? ?ممتلكاته ?في ?الشرق ?عن ?طريق ?الاستيلاء ?على ?مصر ?التي ?تمثل ?قلب ?العالم? ?الإسلامي»?، ?وذلك ?عبر ?اللجوء ?إلى ?استخدام ?الدين «?لاستمرار ?فرض ?سيطرتهم ?على ?العالم ?العربي»?.