كنت أتصور أن الأزمة الاقتصادية في فنزويلا بالغة الشدة إلى درجة أنه من الصعب أن تزداد سوءاً، في ضوء الانكماش الاقتصادي بنسبة 12 في المئة وارتفاع معدلات التضخم إلى 700 في المئة، ونقص الغذاء والدواء على نحو واسع النطاق خلال العام الجاري، بيد أن البيانات الجديدة تشي بأن الأزمة ستكون أسوأ بكثير في عام 2018. وقد دخلت فنزويلا مرحلة جديدة من التراجع الاقتصادي التدريجي منذ أن أطلق الرئيس الراحل هوجو شافيز «الثورة البوليفارية» في عام 1999. وعلى رغم أن تلك الدولة كان لديها واحد من أعلى معدلات التضخم في العالم خلال السنوات الأخيرة، فإنها لم تكن قد وصلت حينها إلى مرحلة «فرط التضخم» من الناحية التقنية، حتى ارتفعت الأسعار بأكثر من 50 في المئة خلال شهر واحد. غير أن فنزويلا تجاوزت تلك العتبة خلال الأسابيع القليلة الماضية، بحسب خبراء اقتصاديين بارزين تحدثت إليهم مؤخراً، وعندما تصل الدول إلى مرحلة «فرط التضخم»، تصبح الأموال بلا قيمة، لأنه لا أحد يعلم سعر السلع أو الخدمات، وينزلق الاقتصاد إلى حالة من الفوضى والشلل التام. وقد أخبرني «أليخاندرو ورنر»، رئيس قسم أميركا اللاتينية لدى صندوق النقد الدولي بأنه: «للمرة الأولى، دخل الاقتصاد الفنزويلي نطاق فرط التضخم في نهاية 2017»، ويتوقع الصندوق أن يناهز معدل التضخم التراكمي 2400 في المئة خلال 2018، مع تراجع إجمالي الناتج المحلي في تلك الدولة بأكثر من 10 في المئة. وحذر «ورنر» من أن هذا يعني، إن صحت التوقعات، أن اقتصاد فنزويلا سيصبح بحلول نهاية العام الجاري، أقل من نصف حجمه قبل أربعة أو خمسة أعوام، مضيفاً: «سيصل معدل الانكماش الاقتصادي التراكمي إلى قرابة 50 في المئة»، ولفت إلى أنه من الواضح أن المشكلات الاقتصادية المتفاقمة في فنزويلا ستسبب انحداراً أكبر في الظروف المعيشية، ومزيداً من المشكلات الصحية والأوبئة، إضافة إلى هجرة السكان أفواجاً إلى الدول المجاورة، ومن ثم مزيداً من المطالبات الداخلية بالتغيير. وكذلك أكد لي «لويس ألبيرتو مورينو»، رئيس بنك التنمية بين الأميركتين، وهو أحد أبرز خبراء الاقتصاد في المنطقة، أنه على رغم أن بعض الدول تمكنت في الماضي من التغلب على «فرط التضخم»، فإنه في الوقت الراهن ليست ثمة إرادة سياسية واضحة في فنزويلا من أجل تطبيق إصلاحات اقتصادية هيكلية لمحاربة التضخم، ونتيجة لذلك فمن المرجح أن يواصل ارتفاعه بصورة تراكمية. ومن الصعب معرفة إلى أي حد يمكن لرجل فنزويلا القوي نيكولا مادورو التحكم في بلاده في خضم «فرط التضخم»، ففي بعض الدول التي واجهت تلك المعضلة من قبل، مثل الأرجنتين في عام 1989، خرجت مظاهرات في الشوارع، وأدى الوضع الفوضوي إلى استقالة الرئيس «راؤول ألفونسين»، ولكن في حالات أخرى، مثل زيمبابوي في عام 2007، واصلت الحكومة طباعة النقود وإضافة أصفار إلى عملتها على مدار أكثر من عام، إلى أن قررت تبني الدولار الأميركي كعملة لها في عام 2008. وساعد ذلك الرئيس الزيمبابوي السابق روبرت موجابي على البقاء لعشر سنوات أخرى في السلطة، إلى أن أُجبِر على الرحيل الشهر الماضي. بيد أن قليلين هم من يتوقعون أن «مادورو»، الذي يزعم أنه «ثوري مناهض لأميركا» سيتبنى العملة الأميركية. وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلن «مادورو» إطلاق «عملة مشفرة» جديدة أطلق عليها اسم «بيترو»، إلا أنها أثارت سخرية معظم خبراء الاقتصاد المشهود لهم بالكفاءة. ومن المرجح بشكل كبير أن يؤدي «فرط التضخم» إلى مغادرة مزيد من الفنزويليين لبلادهم، ومن المحتمل أن يفضي ذلك إلى أزمة هجرة إقليمية، بعد أن هاجر أكثر من مليوني فنزويلي بالفعل إلى كولومبيا والبرازيل وبنما والولايات المتحدة منذ عام 1999، ومن الممكن أن تحذو ملايين أخرى حذوهم. وربما يشجع «مادورو» على الهجرة الجماعية، مثلما حدث في كوبا، بحيث لا يتبقى سوى الجماهير الفقيرة التي تعتمد على المساعدات الغذائية التي يقدمها نظامه، وربما أن قمع مظاهرات المعارضة الأخيرة، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 150 شخصاً خلال العام الجاري، وتحركاته الأخيرة الرامية إلى إغلاق السبل كافة في وجه العودة إلى الديمقراطية، تهدف إلى إقناع خصوم الحكومة بالرحيل! وإذا لم يكثف قادة أميركا اللاتينية ضغوطهم على «مادورو» لكي يسمح بإجراء انتخابات حرة تشرف عليها سلطة انتخابية مستقلة ومراقبون أجانب موثوقون، فإنهم سيضطرون إلى التعامل مع مشكلة تدفق مزيد من المهاجرين الفنزويليين إلى دولهم، ولن تفضي أعمال القمع و«فرط التضخم» سوى إلى مزيد من التدهور في 2018. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»