السعادة ليست حالة مستقرة، وإنما سلوك ُيمارس وعادة غير دائمة تمارس بين الحين والآخر، فلا يوجد سعادة دائمة في الدنيا، ولذلك ذكرها الله في محكم كتابة مرة واحدة فقط، وربط ذلك بالمقام الأبدي في جنة الخلد، وكل ما عدا ذلك هو عبث اخترعه الإنسان لإحساس عارض وعابر. وتعتمد السعادة على مواقف خارجية، أو أشخاص، أو أحداث تتماشى مع توقعاتنا بحيث تكون النتيجة النهائية هي شعور بالنشوة، وهو الذي نطلق عليه سعادة، وهو مؤقت بالتأكيد ومن دون استقرار نفسي وعقلي وشعور بالأمن والأمان الذي يغطي مختلف مناحي الحياة وجوانبها كالروحي والمالي والاجتماعي والاقتصادي.. الخ. لا معنى لكلمة سعادة التي طالما ربطناها بالأمل في أن «يوماً ما عندما أقابل الشخص المناسب»، أو «عندما يكون لدي منزل»، أو «عندما أحصل على الوظيفة المناسبة».. وهذا يعني أننا كبشر نعتمد على الظروف الخارجية لجعلنا سعداء، مما يصعب مهمة أن نكون نحن من نتحكم بالظاهرة وفي مقعد السيطرة، حيث تبدو لي السعادة كالفراشة التي لو لاحقتها فإنك لن تمسكها، لكن لو جلست في سلام داخلي يعكسه خارجك فإنها ستأتي لتقف على كتفك فقط. املك الإيمان والقناعة، واجعل هدفك هو الوصول لمعرفة حقيقة ذاتك، وهذا مرتبط بالروح والداخل أكثر من الخارج ومجرد الحصول على المزيد من المكتسبات. فتذكر لحظات فرحك في ساعة الكارثة، حتى لا تيأس، وتذكر ساعات شقائك في لحظات الفرح، حتى لا تغتر. ولتكن السعادة هي أحد وجوه الشجاعة لتتعلم كيفية التكيف مع المفاجآت التي يحملها المستقبل بالنسبة لك بدلاً من رثاء نفسك، وكيف أنك لم تكن محظوظاً، وشخصياً أنا مؤمن بالتفكير الإيجابي، ولكني أعتقد أيضاً أن المشاعر السلبية يمكن أن تعلمنا دروساً مستفادة لا تقدر بثمن. ومن غير الصحي أن تكون الإيجابية نظاماً يجبرنا على إنكار وجود التحديات والمشاكل المعقدة. فعندما لا ننجح في التحدي يتحول التحدي إلى مشكلة، وحتى نعزز التجربة البشرية، يجب عدم المبالغة في القلق والبحث عن السعادة في أمور لا توصلنا للطمأنينة الروحية والراحة النفسية والصفاء الذهني، ونتقبل أننا سنكون متقلبين في الحياة بين شعور حزين وشعور سعيد. وما هو متعارف عليه أن نظامنا الاجتماعي والاقتصادي كبشر في العصر الحالي مصمم على أسطورة السعادة الكامنة في الحصول على المزيد، فتجد المؤسسات التجارية العملاقة تصور لك السعادة على صورة الحصول على منتجها والمؤسسات الرسمية في نفس المنوال تتحدث عن الأرقام والمنجزات، وواقعك اليومي ليس جزءاً من تلك المنظومة للأسف، وأصبح مفهوم السعادة هاجس الإنسان، والطامة الكبرى هي عدم ربط المفهوم بقيم ومبادئ إنسانية عليا، وجعل الأمر مجرد سباق محموم نحو القمة حتى تجد الفرد يحصل على دخل مرتفع مقارنة مع باقي دول العالم، ومع ذلك لا يستطيع التعايش مع واقع يفرض عليه مجاراته ليشعر بالرضا الداخلي، وبأنه جزء من الحلم. وفي الحقيقة أن الدخل العالي لا يعني شيئاً في ظل التزايد اليومي للأسعار وتكاليف الحياة والقوانين التي لا يصاحبها منظومة سيطرة وتحكم كاملة بمخرجات القانون وتأثيرها على جميع فئات الشعب، وبالتالي تخرج الأصوات التي تعبر عن ضمير الشعب وتعكس معاناة فئة منه تعاني في ظل مصطلح السعادة الذي التصق بمخيلتها وأصبح قيمة مهمة لها، وكيف أن القرارات التي تتخذ لا يقوم المسؤولون قبلها بتهيئة الرأي العام وطمأنة الشعب بأنها قرارات تصب في مصلحة البلد ومصلحتهم وسيحسن ذلك من مستوى معيشتهم تدريجياً، ولا يكذبه الواقع الذي يعيشون فيه. وسيكون هناك دائماً تباين في رضى المجتمعات البشرية عن حياتها وسيختلف الشعور بالسعادة من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، ومن دون نشر ثقافة أن يقوم الإنسان بأنشطة هادفة وفاضلة تعزز علاقته بخالقه، وتخدم غيره وتساعد غيره من منطلق إنساني بحت والعطاء قبل الأخذ وتكريس الكثير من وقت الإنسان لعائلته أو الأشخاص المهمين في حياته، وتكون تلك المكونات من مكونات الرفاهية لديه سيكون هناك إشكالية أبدية، فالعملية برمتها ليست عملية سهلة، أو حزمة مبادرات تجعل الإنسان يشعر بالسعادة بين ليلة وضحاها، وإنما جهود مضنية وطويلة لتغيير العقليات وزرع قيم أصيلة تُقربنا من الجوانب الإنسانية وتبعدنا عن الجوانب «الحيوانية»، فكلاهما جزء منا وكل جزء منهما يحاول أن يطغى على الآخر.. وتكريس الجوانب الإنسانية هو العمل الأهم الذي يجب التركيز عليه على جميع المستويات الشخصية والعامة.