الفيلم الوثاقي الذي يتناول مقتطفات من حياة مصعب حسن يوسف، نجل حسن يوسف، القيادي البارز في حركة «حماس»، يكتسب أهمية خاصة، عن العلاقة المعقدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكثر من ذلك، هو يحكي عن التحولات العميقة داخل شخصية تربت في كنف عائلة «مناهضة للاحتلال»، ليتحول من شخص ينظر بعين الكراهية والنار تجاه الآخر الذي يمثل «نقيضه»، و«ضده»، إلى شخصية ترى أهمية الحفاظ على هذا «العدو» من أجل سلامة الذات وحفظ أمنها!. الوثائقي يعرض العلاقة ما بين مصعب يوسف والضابط الإسرائيلي جونين بن إسحاق، اللذين يظهران في الفيلم، ويتحدثان عن لحظة اللقاء الأولى، والسجن، والتجنيد، والعمل المشترك، والثقة التي بنيت مع مرور الأيام، وصولًا إلى اللحظة التي يعتبر فيها مصعب أن بن إسحاق هو صديق وأخ، مبيناً أن «جونين رهن حياته لينقذ حياتي»، و«أنا مستعد لأرهن حياتي لأنقذه»، و«أنا مدين له». هذه العلاقة النادرة بين «ضحية» و«جلاد» كما في الذهنية العامة، بدأت خلال فترة الاعتقال الأولى، وفيها اختبر يوسف معنى القلق والتوتر والخوف والضياع، نتيجة الأوضاع المُزرية التي عانى منها في السجن. «أهلاً وسهلاً بك في المسلخ» كلمة ترحيبية ألقاها الضابط، وقعت في قلب مصعب يوسف، وأثرت عليه. ونتيجة هذه الظروف اعترف بشرائه «الأسلحة»، ولكنه أكد أنه لم يستخدمها، ولا ينتمي إلى أي خلية عسكرية. لفت ابن إسحاق في هذا السياق، إلى أن تهمة يوسف لم تكن خطيرة، ولكنه قرأ من حركات وإيماءات يوسف أنَ هناك إمكانية لتجنيده، ويزداد هذا أهمية نتيجة المكانة التي يمتاز بها. ?يوسف تحدث عن طلب بن إسحاق العمل مع الإسرائيليين، مبيناً استحالة ذلك، ومتسائلاً: «كيف يمكن لشخص في موقعي أن يتعامل معهم»؟ ولكنه فكر في أن يقول «نعم» لكي يخرج من السجن، ويعمل كعميل مزدوج لاحقاً. خاصةً أنه كان قد أشار في بداية التقرير إلى أنه من العار أن تغتصب أمك، ولكن في فلسطين أسوأ من ذلك أن تتعاون مع إسرائيل. ?خلال فترة وجود يوسف في المعتقل كان ضمن قسم سجناء «حماس»، وشاهد كيف يقوم أفراد الحركة بتعذيب المتخابرين مع الاحتلال. وهذا ما أدى لتغير موقفه من «حماس»، ناقماً على فكرة أنَ والده قد ضحى كثيراً، وقضى 16 عاماً في السجون الإسرائيلية، لأجل «حماس». أثناء عمل يوسف مع جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي، حاولوا أن يقنعوه بأن ينضم إلى «حماس» ليتغلغل بينهم بشكل أكبر، إلا أنه رفض. معللاً رفضه بأن لديه خطوطاً حمراء رسمها لنفسه لا يرغب في تخطيها. ?خلال الانتفاضة الفلسطينية كان مصعب مقرباً من والده، وكان قد أعطى كل المعلومات التي تتعلق بوالده وأماكن تواجده ومقابلاته وتحركاته للمخابرات الإسرائيلية. معتبرا أن ذلك كان بـ«النسبة لوالدي خيانة، ولكن بالنسبة إليّ كانت القصة مختلفة». يقول يوسف كانت القصة بالنسبة لي تعني «المسؤولية ومحاولة إنقاذ حياته، وحياة العديد من الناس». متحدثاً عن الثقة التي بُنيت ما بينه وبين الضابط بن إسحاق، بقوله «منذ 5 سنوات كنت قد اشتريت الأسلحة لكي أقتل أشخاصاً، الآن أقاتل من أجل حماية حياتهم»، معتقداً أن هذا ما شكل «تحولاً مجنوناً» بالنسبة له، مضيفاً «كان هذا التغيير جذرياً». كثيرة هي التفاصيل التي يعرضها الفيلم، تمتزج بالألم، المغامرة، خيارات الفرد لإنقاذ نفسه وعائلته.. الرؤية التي تتشكل مع الزمن ومدى صوابيتها، فكل شخص له زاوية نظره الخاصة. إلا أنها قصة جديرة بالتفكر، لإنقاذ ما تبقى من فرصة للسلام. ---------------- * كاتب سعودي