مما يحسب لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنها استنكرت تشبث زعماء يساريين بالسلطة في فنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا. وكان على هذه الإدارة أن تنتقد أيضاً النزوع نحو الحكم السلطوي لرئيس هندوراس المحافظ. ولكن من المؤسف أن إدارة ترامب ردت ببطء شديد وبفتور على المخالفات في الانتخابات التي أجريت يوم 26 نوفمبر في هندوراس، والتي أعلن الفوز فيها كل من الرئيس خوان أورلاندو هرنانديث ومنافسه من يسار الوسط سلفادور نصر الله. وتقاعست إدارة ترامب عن التنديد بمناورات هرنانديث السابقة التي سمحت له بخوض الانتخابات على رغم أن دستور هندوراس يحظر عليه ذلك أصلاً. وقد يتساءل البعض: لماذا على ترامب أن ينتقد نظاماً استبدادياً صديقاً للولايات المتحدة؟ والجواب هو أن تغاضي الولايات المتحدة عن مستبد من اليمين يُفقدها مصداقيتها الأدبية في انتقاد المستبدين اليساريين. وهذا قد يتيح فرصة للزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو مثلاً لكي يخبر شعبه بأن التصريحات الأميركية والعقوبات ضده لا علاقة لها بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويعتقد خوسيه ميجيل فيفيانكو من منظمة «هيومن رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان، أن «صمت إدارة ترامب وسلبيتها أثارا كل أنواع الشكوك بأن للولايات المتحدة معايير مزدوجة في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا أسلوب يضر بمصداقيتها ويسمح للحكام المستبدين بأن يقولوا إن واشنطن انتقائية في أحكامها وفقاً للمصالح السياسية». ويشتهر هرنانديث بعلاقاته الوثيقة بالجنرال جون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض في إدارة ترامب منذ أن كان كيلي قائداً للقيادة الأميركية الجنوبية في ميامي. ويعتبر مسؤولو إدارة ترامب هرنانديث مستبداً حميداً وزعيماً أبلى بلاء حسناً في بلد مثقل بالفقر والجريمة. فقد استطاع هرنانديث أن يقلص معدلات القتل في البلاد التي كانت واحدة من أعلى المعدلات في العالم. واتخذ إجراءات لتطهير البلاد من ضباط شرطة فاسدين، ولكن المعارضة تزعم أنه متورط في فضيحة فساد كبرى في مجال الصحة العامة وأنظمة التأمين الاجتماعي. وتشكو المعارضة أيضاً من إن حكومة هرنانديث أصبحت أكثر قمعاً في ظل وجود قانون جديد لمناهضة الإرهاب يُجرم تنظيم المسيرات الاحتجاجية. وينظر مساعدو ترامب إلى هرنانديث باعتباره أحد حلفاء الولايات المتحدة من القلة المخلصة في دول أميركا الوسطى حيث نيكاراجوا والسلفادور التي جمعتا عصابات ماركسية سابقة مقربة من فنزويلا، وحيث أيضاً جواتيمالا التي يحكمها ممثل كوميدي يواجه معارك قانونية بشأن اتهامات بالفساد. ولكن هرنانديث أدمج فعلياً كل المؤسسات في هندوراس مثل الحكام اليساريين في فنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا. وملأ هرنانديث المحكمة العليا والهيئة العليا للانتخابات بموالين له وعدل الدستور حتى يتمكن من خوض الانتخابات لفترة ولاية أخرى مدتها أربع سنوات. وبلغ الغموض في الانتخابات التي أجريت في الآونة الأخيرة في هندوراس حداً جعل بعثة منظمة الدول الأميركية لمراقبة الانتخابات تغادر البلاد دون أن تصدر تقريراً. وفي تقرير صدر يوم السادس من ديسمبر الجاري، أعلنت بعثة منظمة الدول الأميركية أن الانتخابات شابها «الافتقار إلى الضمانات والشفافية» و«حفلت بالمخالفات والأخطاء والمشكلات في نظام إداراتها». وتوقفت الهيئة العليا للانتخابات بشكل غامض عن فرز الأصوات حين اتضح أن نصر الله متفوق بفارق خمس نقاط مع فرز 57% من الأصوات. ثم بعد ذلك ببضع ساعات أظهرت نتائجها أن هرنانديث يقلص الفارق. وبعد ذلك ببضعة أيام، أُعلنت النتائج الرسمية لتقر فوز هرنانديث بفارق 1.5% من الأصوات. وحينها وصف نصر الله -وهو مذيع تلفزيوني يدعمه في الأساس الرئيس السابق مانويل زيلايا حليف النظام الحاكم في فنزويلا- نتائج الانتخابات بأنها مزورة. ونشبت احتجاجات عنيفة في الشوارع تمخضت عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل. ولم تتحدث إدارة ترامب إلا قليلاً عن انتخابات هندوراس. وبعد مرور أكثر من عشرة أيام على إجراء الانتحابات، صرحت هيثر نيويرت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، قائلة «نعمل مع زعماء هندوراس السياسيين والسلطات لتعزيز الشفافية والمحاسبة هناك». وهذا كلام بلا طعم ولا معنى إلى حد كبير وخاصة حين نقارن هذا مع تصريحات الاستنكار النارية التي أصدرتها وزارة الخارجية عن المستبدين في الأنظمة اليسارية. ولكي تكون لإدارة ترامب مصداقية، يتعين عليها أن تستوعب أنه لا وجود لشيء اسمه ديكتاتور «جيد». والتحيز لزعماء يمينيين سلطويين خطأ أخلاقي يقوض الانتقادات الأميركية للمستبدين اليساريين ويضر بصورة الولايات المتحدة عاجلاً أو آجلًا. وهذا ينطبق أيضاً على علاقات ترامب بروسيا وتركيا والآن مع هندوراس. ------------------ * كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»