غدر «الحوثيون» بعلي عبد الله صالح الرئيس اليمني السابق وقتلوه بدم بارد وهو حليفهم الوحيد في اليمن، والذي تمكنوا من خلال ما كان يتمتع به من نفوذ وما يمتلكه من قوة عسكرية قام ببنائها على مدى عقود، من تنفيذ انقلابهم ضد السلطة الشرعية والاستيلاء على السلطة في صنعاء والعديد من مناطق شمال اليمن، ومن الاستمرار في التمرد إلى أن اختلفوا معه وقاموا بقتله والتمثيل بجثته من دون أي احترام لحرمة الموت، فما هي تداعيات مقتل صالح على مستقبل اليمن؟ وهل سيؤدي ذلك إلى الانفراج أم إلى المزيد من تعقيد الأوضاع في البلاد؟ وما هو الدور الإيراني والقطري السلبي في كل ما يحدث؟ وبرغم الاختلاف الفكري والسياسي مع كل ما مارسه صالح خلال فترة حكمه الطويل، وما قام به بعد خلعه من تحالف مع «الحوثيين» عملاء إيران في اليمن ومؤججي الفتنة فيه، فإن مقتله كما اعتقد سيزيد الأوضاع سوءاً، وسيزيد من سفك الدماء اليمنية الزكية، فالتغيرات السياسية الواسعة التي تتفاعل الآن، بالإضافة إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية التي تجتاحها ستخلق حالة من عدم الاستقرار المنذر بالخطر الجسيم. إلى جانب ذلك يجب أن نضيف مطالب المجتمع المدني اليمني الآتية من الفئات المتعلمة وشعارات الداعين إلى الإصلاح واجتثاث الفساد وإلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والمطالبين بأدوار أكبر في الشؤون العامة، خاصة التجمعات والأحزاب الإسلامية والفئات اليسارية في الجنوب كالحراك الجنوبي وأصحاب الصيغ والنقاشات الثيولوجة المركزة التي تتحاور حول الصيغ المتشددة والمعتدلة من الإسلام السياسي، والتأثيرات التي يمارسها الإعلام الحديث على الجماهير، وهي تأثيرات غير قابلة للقياس. هذه الصورة القاتمة تعطي كل من إيران وقطر مداخل جاهزة للمزيد من النفاذ إلى صفوف «الحوثيين» وإلى الفئات الزيدية الأخرى لتأجيج العقدة الطائفية بينهم وتأليبهم ضد الحكومة الشرعية والمجتمع اليمني بشكل عام، وهي أمور كان صالح المغدور قادراً إلى حد كبير على الحد منها، نظراً لما كان يتمتع به من نفوذ في تلك الأوساط كشخصية اجتماعية تنتمي أصلاً إليها وتنحدر أصوله الاجتماعية منها. لذلك فإن اليمن يمر بحالة من تغول «الحوثيين» وجموحهم الشديد للسيطرة عليه، في الوقت الذي هم يعانون فيه داخلياً من التفكك والاختلاف والتقهقر على جبهات القتال كافة التي تحرز فيها قوات التحالف العربي في اليمن انتصارات باهرة في غرب البلاد. ما يقوم به «الحوثيون» مدعوم من إيران وربيبتها قطر ويحظى بتأييد مكثف منهما. ولكي يحققوا ذلك هم يتسترون خلف شعارات جوفاء من حماية البلاد والحفاظ على حقوقها عن طريق التفافات «تقية» تبث عبر استخدام وسائل إعلام متطورة آتية من إيران ودعم مالي من تأثيرات اقتصادية قادمة من قطر. بمقتل صالح يعتقد الحوثيون بأنهم تخلصوا من عقدة كأداء كانت تقف أمامهم، ويدعون بأن ذلك سيمهد أمامهم إعادة الاستقرار إلى العاصمة صنعاء، وإلى المناطق اليمنية الأخرى التي يسيطرون عليها، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إقامة إشكال من التعاون المثمر بينهم وبين بقية قبائل اليمن في تلك المناطق، والقائمة على تحقيق السلام والأمن والرغبة في إقامة نمط من الديمقراطية كما يزعمون. لكن واقع الحال يشير إلى غير ذلك، وما يزعمونه هو ضرب من ضروب أحلام اليقظة، فتدخلات إيران وقطر تعيق كل ذلك وتجعل من تلك الطروحات أموراً غير قابلة للتحقيق بأي وسيلة في ظل الظروف الموضوعية القائمة. وبالفعل فإن تدخلات إيران وقطر هي أمور مرتبطة بأجندات خفية تستهدف أمن وسلامة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى، وبكم هائل من العقبات والعوائق التي لا يمكن تجاوزها في غمضة عين. لقد ارتكب «الحوثيون» خطأً استراتيجياً جسيماً بغدرهم بصالح وقتله، فالمحتمل هو أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الفوضى والدمار والقتل، وإلى زيادة تعقيدات المسائل وتشابكها، خاصة أن لمثل هذه الأفعال المشينة ردود أفعالها السلبية من الأطراف الأخرى. ـ ـــ ــ د. عبد الله جمعة الحاج* ـ ـ ــ ــ ـ *كاتب إماراتي