خلال العام الماضي، تصاعد التوتر بين كوريا الشمالية، والولايات المتحدة الأميركية على نحو دراماتيكي، بسبب تجارب الأسلحة المتكررة التي أجرتها بيونج يانج. ومع تزايد المخاوف المتعلقة باحتمال اندلاع صراع نووي، دعا خبراء خارجيون، إلى إجراء مباحثات مباشرة بين الدولتين لنزع فتيل التوتر. ولكن كان هناك حجر عثرة يحول دون ذلك، وهو ذلك المتمثل في الإصرار الأميركي طويل الأمد، على ضرورة وفاء كوريا الشمالية بشروط معينة، قبل البدء في إجراء أي محادثات معها. ولكن وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» بدا اليوم، وكأنه يتراجع عن هذا الموقف، حيث قال في تصريح له أمام منتدى مجلس الأطلسي- ومؤسسة كوريا:«نحن مستعدون لإجراء محادثات مع كوريا الشمالية في أي وقت تريده»، وأضاف وزير الخارجية الأميركي:«نحن مستعدون لإجراء أول اجتماع من دون شرط مسبق. دعونا نجتمع فحسب ونرى- نحن نستطيع أن نتحدث عن المناخ إذا ما كنتم تريدون ذلك». ولكن معرفة ما إذا كان ذلك يمثل تغيراً في السياسة الأميركية، وما إذا كان أمامه فرصة للنجاح، يتوقف على ثلاثة أسئلة أساسية: ما هو الشيء الذي يعتبره تيلرسون شروطاً مسبقة؟ المسؤولون الأميركيون السابقون، كانوا يقولون إن الولايات المتحدة تحتاج إلى العودة إلى طاولة المفاوضات مع كوريا الشمالية، لتفادي حدوث كارثة. ولكن الأميركيين من خارج الحكومة، الذين التقوا مؤخراً بمسؤولين كوريين شماليين في إطار ما يعرف بمحادثات المسار 1.5، قالوا إن بيونج يانج ليست مهتمة بإجراء أي محادثات مع الأميركيين تدور حول نزع سلاحهم النووي، وأن أحد كبار مسؤولي وزارة خارجيتهم قال إن ذلك يمثل «مسألة حياة أوموت» بالنسبة لهم. يوم الثلاثاء الماضي، اعترف تيلرسون بأن نزع سلاح شبه الجزيرة الكورية، يظل هدفاً طويل الأمد للولايات المتحدة، ولكن الشيء المهم أنه قال صراحه، إن الولايات المتحدة لن تجعل مسالة مناقشة أسلحة كوريا الشمالية النووية، شرطاً مسبقاً للمحادثات. ولكن تيلرسون بدا وكأنه يقدم شرط مسبقاً، وهو ذلك المتمثل في أن الولايات المتحدة، تطلب توقفاً مؤقتاً في تجارب الأسلحة لكوريا الشمالية، قبل أن تبدأ أي محادثات معها. ولكن الشيء الذي لم يوضحه تيلرسون هو، ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنظر في مسألة منح كوريا الشمالية تنازلات معينة، مقابل قيام الأخيرة بتجميد أنشطتها في مجال تجارب الأسلحة مثل القيام بإيقاف أو تأجيل المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الشمالية. السؤال الثاني: هل باقي إدارة ترامب على نفس الخط؟ في أي إدارة أميركية سابقة، كان موقف وزارة الخارجية الذي يعبر عنه كبير الدبلوماسين (الوزير) يمثل الخط الرسمي للبيت الأبيض، أما في إدارة ترامب، فإن الوضع ليس كذلك. فنزع سلاح كوريا الشمالية كان يذكر بشكل متكرر، بل وذكر حديثاً، باعتباره شرطاً مسبقاً لأي محادثات تجريها إدارة ترامب، مع هذه الدولة. الأسوأ من ذلك، أن ترامب نفسه قوض علناً مطالبات تيلرسون بإجراء حوار مع كوريا الشمالية منذ أسابيع قليلة عندما قال في تغريدة له في الأول من أكتوبر إن تيلرسون» يضيع وقته في محاولة التفاوض مع رجل الصواريخ الصغير «وهو اللقب الذي استخدمه لوصف الزعيم الكوري كيم جونج أون». الرسائل التي ترسلها إدارة ترامب بشأن الخط الدبلوماسي تجاه كوريا الشمالية، والتي تبدو متناقضة ظاهرياً، قد تكون مجرد تكتيك، وجزء من استراتيجية (أقصى ضغط واشتباك) المعبر عنها من قبل المسؤولين الأميركيين. ولكن بعض خبراء الدبلوماسية، ينتابهم قلق من احتمال أن تؤدي تلك الرسائل المختلطة، أو أي استجابة لا يمكن التنبؤ بها من قبل ترامب نفسه إلى تقويض فرص إجراء محادثات مع بيونج يانج، في نهاية المطاف. السؤال الثالث: كيف ستفكر كوريا الشمالية بشأن مقترحات تيلرسون؟ ما فهمته بيونج يانج من مقترحات تيلرسون، ليس معروفاً للعموم، وإن كان الأميركيين الذين التقوا بمسؤولين من كوريا الشمالية مؤخراً، قالوا إنهم منفتحون على المحادثات، وحريصون على تفادي الحرب. الشيء المهم في هذا الشأن، أن التطويرات التي تمت في برنامج الأسلحة الكوري الشمالي، هذا العام قد تثبت أنها تمثل فرصة في حد ذاتها. فأحدث إطلاق لصاروخ في كوريا الشمالية في 29 نوفمبر الماضي، هللت له وسائل الإعلام الرسمية في ذلك البلد، باعتباره نصراً، ومن المحتمل أن بيونج يانج، وبعد أن باتت الآن أكثر ثقة بشأن قدرتها على الردع، ستنظر إلى اللحظة الحالية باعتبارها اللحظة المناسبة للدخول في محادثات مع الولايات المتحدة. مع ذلك، ربما يكون الكوريون الشماليون أيضاً، أقل استعداداً للحديث عن نزع الأسلحة تحت هذه الظروف. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانوا سوف يسعون للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة، في مقابل البدء في محادثات معها، وما إذا كانوا سيثبتون أنهم شريك جدير بالثقة إذا ما مضت المحادثات قدماً. قال تيلرسون في تصريح له يوم الثلاثاء الماضي، إن سعي إدارة ترامب لفرض عقوبات، وعزلة دبلوماسية على كوريا الشمالية كانت محاولة لإجبارها على أن تكون أمينة، ولكنه اعترف في الوقت ذاته، أن الكثيرين شعروا أن كوريا الشمالية مارست الغش بشأن صفقات عقدت معها في الماضي. واختتم تيلرسون تصريحه بالقول:«لم يثبت الكوريون الشماليون في أي وقت أنهم طرف يمكن الاعتماد عليه». آدم تايلور: كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»