شهيد المحراب بيد المجوسي أبي لؤلؤة وليس النصراني الذي استقبل عمر بن الخطاب بالترحاب، عندما انتظره داخلاً عليهم راجلاً متواضعاً، فحقت نبوءة الإنجيل فيه رضي الله عنه، في هذا الفتح العظيم بعد فتح مكة المكرمة. فكرامة القدس من كرامة «أول بيت وضع للناس ببكة مباركاً..»، ففي عصر العبيديين حكام مصر آنذاك سلموا القدس للصليبيين على طبق من «الفالوذج» في موجة خيانة غادرة لا تقل خطورة عن شنائع الحوثيين في عين العروبة وقد رموا بصواريخهم تجاه مكة المكرمة ليعيدوا الماضي في «القرامطة» الذين سفكوا الدم في أقدس بقاع الأرض، فلا نستغرب فعال شرذمة «حزب الله» في سوريا والعراق واليمن ومع ذلك رافعين شماعة تحرير القدس وقد باعوا في الماضي بثمن بخس. لقد أمدّتنا بعض مراكز الأبحاث الفلسطينية منذ عقود بسلسلة من الدراسات بعنوان «اعرف عدوك» منذ نعومة الأظفار، وعندما عرفناه حقاً قالت إسرائيل عن نفسها إنها «دولة زائلة»، وهذا من أفعالها ومن فمها، بعيداً عن تلك السلسلة من الدعاوى الواهية، والسبب الرئيسي لديهم هو الغرور والكبرياء وفلسفة التعالي على «الأغيار» وأسطورة «شعب الله المختار». وشاهدنا في ذلك سورة «الإسراء» وها هم قد وصلوا إلى مرحلة العلو الكبير بعد أن أعلن ترامب «القدس» عاصمة أبدية لإسرائيل بعد مرور مئة عام على وعد بلفور! وكأن هذا القرن يساوي القرن الآخر في الماضي الذي احتد فيه الصراع على القدس بين اليهود والنصارى، فتارة يغلب هذا الطرف وأخرى ذاك، ولم تكن لهم سلطة على هذا المكان الأقدس في الكون، حتى جاءهم عمر رضي الله عنه وسأل عن الصخرة التي كانت مدفونة تحت القاذورات لأن اليهود والنصارى جعلوا هذا المكان قمامة دائمة حتى طمست معالم القدسية على مر التاريخ. وجاء عبد الملك بن مروان وبنى قبة الصخرة ليرفعها خمسة عشر متراً حفاظاً عليه من مزبلة ساكنيه آنذاك. وقبل ذلك أمر عمر جيشه بتنظيفه حتى يكون معلماً بارزاً على ثلاثية مقدسة لجميع الأديان تحت إشراف الإسلام الأعظم إلى أن حانت ساعة بلفور المشؤومة التي وصى بها أحد اليهود الإيرانيين قبل مئة عام. ومضى التاريخ قبل ذلك لصالح الفرنجة (الصليبيين) لقرابة قرن آخر استباحوا في ساحة المسجد الأقصى دم أكثر من سبعين ألفاً من المسلمين المرابطين في هذه البقعة المباركة منذ الأزل، حيث مهبط الأنبياء والرسل، حتى جاء وعد الله لصلاح الدين لتحرير القدس من براثن الصليبيين، بعد أن عالج «قلب الأسد» بمن معه من أطباء المسلمين في صورة سماحة لم يشهد مثلها من قبل بين الأعداء فضلاً عن الأصدقاء. فمعركة القدس لا تنتهي بالتسويات المؤقتة، بل هي معركة وجود أبدي تتخطى الحدود الجيوسياسية، التي يتم التعامل معها في القضايا الدولية لأن البعد الديني للقدس غائر في السنين الغابرة العابرة إلى كل الأديان السماوية. فلم تكن القدس منذ التاريخ القديم بيد اليهود وأعوانهم سوى قرنين من بعد الميلاد، وأما بقية القرون من بعد ذلك فكانت الولاية عليها للمسلمين الذين جعلوا منه وقفاً دائماً التي لا تمسه يد الآخر إلا بحكم المقدس المشترك. ترامب عندما «شرّع» القدس عاصمة أبدية لإسرائيل لم يحدد الغربية منها والشرقية، وقد وضع شرطاً ملزماً إذا وافقت إسرائيل على حل الدولتين ورضي العرب بهذا الشرط الذي يجب أن تطبق عليه سياسة المعري في لزوم ما لا يلزم لأنها المنجية. نتنياهو لا يريد دولة فلسطينية مستقلة على مقاييس الفلسطينيين والعرب طبعاً من خلفهم، بل يريدها كما هو واقع المؤسسات السيادية التي بنيت عنوة في هذا المكان الأقدس في فلسطين التي حررها عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص وعائلة المقدسي، صاحب المغني الكبير والصغير والوجيز، من جور الجائرين واحتلال المحتلين، وجاء قرار ترامب الأخير بضارة نافعة تجمع العرب والمسلمين وحتى اليهود المتدينين الرافضين لسياسة الصهاينة التي ترفض قرار ترامب قطعياً.