اتصل بي ابن أخي عزيز، الذي عاد إلى رام الله هذا الصيف بعد أن أنهى دراسته في لندن، صباح يوم الخميس، بعد يوم من قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقال والألم يملأ صوته «لا أعرف ما الذي يمكن القيام به». لم يكن لدي ما أقترحه. كنت قد سمعت لتوي إعلاناً من مسجد قريب يدعو الناس إلى الذهاب إلى وسط المدينة عند الظهر. وهناك يمكننا الاجتماع للتنديد بالقرار الأميركي. واقترحت على ابن أخي أن نذهب سوياً ونرى ما يحدث. وفي الطريق، قال لي سائق التاكسي إنه شعر بالإحباط بسبب الاستجابة الفلسطينية للأخبار. وسألته عن دعوة زعيم «حماس» إسماعيل هنية للقيام بانتفاضة ثالثة، فأجاب «أي انتفاضة ونحن جميعاً مثقلون بالديون؟ قبل ثلاثين عاماً، لم أكن أتردد في المشاركة في أي إضراب يتم الإعلان عنه، ولكن الآن إذا لم أجنِ المال، لن أتمكن من سداد قرض هذه السيارة. وكيف لي أن أحيا بدونها؟» وعندما التقيتُ ابن أخي، قال لي إنه سعيد لأن حكومة مدينة بيت لحم قررت إطفاء أنوار شجرة عيد الميلاد في ساحة المهد احتجاجاً على قرار واشنطن. وقبل ذلك بأيام قليلة كان قد ذهب لحضور احتفال إضاءة الشجرة الذي وجدها مثيرة للإعجاب. والآن يشيد بإطفاء الأنوار. وفي وسط مدينة رام الله، وجدنا المكان يعج بالعشرات من الناس. ولم يكن أحد يعلم ما كان متوقعا، ولم تتخذ الشرطة أي استعدادات لتحويل المرور. وكان السائقون يشقون طريقهم بصعوبة وسط الحشود، الأمر الذي أحدث فوضى. وقد سألت لمعرفة ما إذا كان أي أحد يعرف ما الذي يحدث اليوم. كما أنني غريب على وسائل التواصل الاجتماعي وكنت أعتقد أنني قد فاتني الإعلان. وجاء رمزي، وهو موسيقي أعرفه منذ عدة سنوات، لينضم أيضاً إلى المظاهرة. وقال إنه كان يثابر على متابعة «فيسبوك»، لكنه لم يجد أي شيء. وقال رمزي «لم تكن هناك هواتف محمولة خلال الانتفاضة الأولى عندما كنت صبياً في العاشرة من عمري في مخيم عماري للاجئين، ورغم ذلك فإنني أتذكر أن الناس كانوا يعرفون متى سيجتمعون وماذا سيفعلون». ولاحظ ندرة المشاركين من الشباب في التجمع. وقال «بعض الناس يشعرون أن بإمكانهم البقاء في منازلهم ورغم ذلك يعتبرون أنهم مشاركون؛ إنهم يعتقدون أن بإمكانهم المشاركة بصورة افتراضية»، واختتم قائلاً «إن المعنويات منخفضة والقيادة تخلت عن القدس». لم أقل أي شيء. لكنني كنت أعتقد أن القادة الفلسطينيين قد تخلوا عن المدينة منذ فترة طويلة. لقد ظل الفلسطينيون في القدس بمفردهم، من دون قيادة فعالة لسنوات، يتحملون الضرائب الباهظة والاكتظاظ الذي يجعل حياتهم بائسة، بينما يعانون من التمييز الإسرائيلي الذي يترك الجانب الفلسطيني من المدينة دون تطوير. كانت هناك لحظة أمل بين الفلسطينيين بعد توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993، عندما كان قادتنا يعتقدون أن وضع القدس سيجري التفاوض بشأنه قريبا. وبدأوا في تعزيز وجودهم السياسي في المدينة، وهو الأمر الذي كنا نعتقد أنه سيؤدي إلى تحسين الحياة اليومية. بيد أن اليمين الإسرائيلي حارب اتفاقات أوسلو بقوة، وثبطت الهمة في نهاية المطاف. وضغط على الكونجرس الأميركي، والذي قام في عام 1995 بتمرير مشروع قانون يدعو إلى نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وقد تجاهل الرؤساء الأميركيون هذا العمل حتى إعلان الرئيس دونالد ترامب يوم الأربعاء. رجاء شحادة: محام فلسطيني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»