سيذكر التاريخ هذه الحقبة من الزمن، والتي يمر خلالها العالم العربي بأخطر مفترق طرق أمامه يهدد مستقبل أجياله، وينذر بعواقب وخيمة إذا لم يتم الاعتراف أولاً بخطورة الوضع، ثم الاتفاق على حل سريع ومناسب، والالتفاف حول قيادة واعية ورشيدة. من أبرز التحديات التي تواجه العالم العربي اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالقدس «عاصمة لإسرائيل» في تحدٍ مباشر وصريح للقرارات الدولية وللمسلمين قاطبة والإخوة المسيحيين أيضاً وعلى رأسهم بابا الفاتيكان فرانسيس الذي دعا لضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة بشأن الوضع في «المدينة المقدسة بالنسبة للمسيحيين والمسلمين واليهود» على حد سواء. ويشير الإعلان الأميركي حول تبعية مدينة القدس للعديد من الدلائل من أبرزها رضوخ الرئيس الأميركي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية الذي نجح في استقطاب «جاريد كوشنر» صهر الرئيس الأميركي للدفاع عن مصالح العدو الصهيوني. أضف إلى ذلك رغبة «إسرائيل» في إفشال جهود الوساطة المصرية للمصالحة بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس»، وعودة السلطة لممارسة مسؤولياتها في قطاع غزة. وفوق هذه كله ضعف الوضع الداخلي العربي وتغييب القضية الفلسطينية بشكل عام ووضع القدس بشكل خاص نتيجة للأزمات الأخرى التي يمر بها العالم العربي منذ ما يسمى «بالربيع العربي» والذي اتضح أبرز أهدافه وهو «وأد القضية الفلسطينية» للأبد وضياع مركزها الرئيس وهو القدس. ومن أبرز التحديات الأخرى التي يمر بها العرب حالياً، الوضع في اليمن وما يشهده من رغبة إيرانية واضحة وقوية في السيطرة عليه من خلال ميليشيات «الحوثي» الانقلابية ووقوف التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في وجه الأطماع الفارسية. ولقد شكل اغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بوحشية على أيدي ميليشيات «الحوثي» الإيرانية منعطفاً خطيراً واستراتيجياً في التحالفات الداخلية اليمنية بشكل خاص وفي مستقبل اليمن بشكل عام وعلاقته بدول الجوار لو استمر الوجود الإيراني في اليمن. وبالتالي فإنه كلما تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية لقوات التحالف والجيش اليمني والقبائل المعارضة للوجود الإيراني، ضد ميليشيا «الحوثي» الانقلابية، كلما بزغ في الآفاق أمل إعادة الاستقرار والأمن والأمان للشعب اليمني. وثالث أبرز تلك التحديات هي الوضع في سوريا وغموض مستقبل ذلك البلد العربي العريق في حضارته وتاريخه، والذي يتعرض أيضاً لمعول الهدم والتخريب على أيدي «إيران» وأعوانها في نظام الحكم في دمشق. فبالرغم من اتفاق معظم الجماعات المعارضة السورية على ضرورة إقصاء بشار الأسد من سدة الحكم، وبالتالي طرد أعوانه إيران و«حزب الله» من الأراضي السورية، إلا أنه هناك تساؤلات قوية حول مدى اتفاق تلك الجماعات حول مستقبل الوضع السياسي في سوريا، ناهيك عن مدى قوتها في مواجهة النفوذ الروسي المتنامي في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد. ومن ضمن التحديات التي تواجه العالم العربي أيضاً مواجهة النفوذ الإيراني القوي في العراق ولبنان من خلال «حزب الله» والأوضاع في ليبيا ومرحلة ما بعد «تنظيم داعش الإرهابي» واحتمالات عودة تنظيم «القاعدة الإرهابي» للساحة العربية من جديد بعد فترة السكون وتنظيم الصفوف خلال مرحلة «داعش». وبالتالي وبالرغم من اتفاق معظم العرب على تلك التحديات، فإنه وفي ظل وجود الجامعة العربية في غرفة الإنعاش، ما ينقصنا فعلياً هو الدولة القائد التي تأخذ بزمام الأمور، وتبعث فينا الأمل من جديد في عودة القدس الشريف ومواجهة النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية وإعادة توحيد الصف العربي. وفي ظل معطيات الوضع العربي الحالي، فإني أعتقد أن الدولة المؤهلة لذلك هي المملكة العربية السعودية التي أخذت على عاتقها خلال السنوات الثلاث الماضية مهمة مواجهة النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية وهي بلا ريب قادرة على توحيد الصف العربي وإعادة القدس للعرب والمسلمين. *باحث إماراتي