عندما ذكرت في مقالة نشرتها قبل عدة أشهر بأن تهجُّم الرئيس دونالد ترامب على المكسيكيين والمسلمين وبقية الأجانب سوف يضرُّ بالقطاع السياحي في الولايات المتحدة، غضب مني الكثيرون من مؤيديه وكتبوا مقالات ناقدة زعموا من خلالها أنني جزء من مؤامرة منقولة على وسائل الإعلام تهدف للإساءة لرئيس الولايات المتحدة. وها هي النتائج الرسمية تؤكد أن ترامب عدو السياحة، وجاء في بيان صادر عن «المكتب الوطني للسياحة والسفر» التابع لوزارة التجارة في إدارة الرئيس ترامب، أن عدد السياح الأجانب الذين دخلوا الولايات المتحدة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري انخفض بنحو 4 بالمئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي، وفي مقابل ذلك، ارتفعت أرقام السياحة على المستوى العالمي بنسبة 4 بالمئة خلال الفترة ذاتها وفقاً لبيان إحصائي صادر عن «المجلس العالمي للسفر والسياحة» الذي يوجد مقره في لندن، وهذا التراجع ليس هامشياً ولا ضعيف التأثير لأن السياحة هي صناعة تخلق 15 مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة وفقاً لإحصائيات «رابطة السفر والسياحة في الولايات المتحدة»، كما أن انخفاض الإنفاق السياحي الأجنبي في الولايات المتحدة بنسبة 4 بالمئة يعني فقدان 344 ألف فرصة عمل. وانخفض عدد السياح القادمين إلى الولايات المتحدة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري بنسبة 30 بالمئة من الشرق الأوسط و16 بالمئة من المكسيك و14 بالمئة من وسط وجنوب القارة الأميركية وبنحو 2 بالمئة من أوروبا. وتُستثنى ولاية فلوريدا من هذا التباطؤ، حيث سجلت زيادة في عدد الزوار الواصلين بنسبة 4 بالمئة في ميامي و20 بالمئة في «فورت لوديرديل» خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وقال لي مسؤولون حكوميون إن ذلك يعود لزيادة عدد رحلات الطيران إلى شرق فلوريدا من دول مثل ألمانيا والأرجنتين وبلدان أخرى. وسألت رئيسة «المجلس العالمي للسفر والسياحة» جلوريا جويفارا عن تفسيرها لتراجع السياحة الأجنبية في الولايات المتحدة فقالت إن ذلك يعود لعدة عوامل، من أهمها الشعور الذي أصبح يحمله بعض السياح بأنهم غير مرحّب بهم في الولايات المتحدة، بالإضافة للحظر الذي فرضه الرئيس ترامب على دخول المسافرين القادمين من دول منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب القوة الاستثنائية للدولار الأميركي. وكانت مفاجأة عندما قالت لي إن سياحة المكسيكيين إلى كندا ارتفعت بنسبة 53 بالمئة هذا العام، وفسرت ذلك بأن الحكومة الكندية قررت إعفاء السياح المكسيكيين من تأشيرة الدخول إلى كندا منذ بداية العام الجاري. وفي الوقت الذي يعتزم فيه ترامب بناء جدار على الحدود مع المكسيك ووصف كل المكسيكيين المقيمين في الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية بأنهم مجرمون ومغتصبو نساء، أرسلت كندا رسالة قوية مفادها أنها ترحب بالمكسيكيين. فيا له من فارق في طريقة التعامل مع السياح. ثم إن الانتقادات اللاذعة التي يكثر ترامب من ترديدها ضد المسلمين، عندما أطلق على موقع تويتر شريط فيديو يحض على كراهية المسلمين بعد أن نقله عن جماعة يمينية متطرفة بريطانية بداية هذا الأسبوع، وهو ما دفع برئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى إدانة هذا العمل، ويشير «المجلس العالمي للسفر والسياحة» إلى أن عدد السياح العرب إلى البلدان الأوروبية ارتفع هذا العام بشكل كبير حتى وصل إلى مستويات قياسية في إسبانيا والبرتغال لم يبلغها من قبل. وهناك دليل آخر يشير إلى أن عدد الطلاب العالميين المسجلين في الجامعات والمعاهد الأميركية الذي يبلغ 1.1 مليون طالب، سوف ينخفض بمعدل 7 بالمئة خلال عام 2018 وفقاً لبيانات صادرة عن «المعهد الدولي للتعليم» الذي يوجد مقره في نيويورك. وأصبحت سمعة الولايات المتحدة معرضة للمزيد من التشويه عندما أصبح ترامب أول رئيس شعبوي يحكم الولايات المتحدة في العصر الحديث، وأثبت استطلاع آراء نظمه مركز «بيو ريسيرتش سنتر» أن 49 بالمئة فقط من الذين تم استطلاع آرائهم في 37 دولة يحملون نظرة إيجابية حول الولايات المتحدة انخفاضاً من 64 بالمئة في نهاية إدارة أوباما. وأكاد أجزم بأن هذه الحقائق لن تغير من مواقف معظم مؤيدي ترامب. ويتضح من خلال أسلوبهم في التعاطي مع مثل هذه الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة «تويتر» و«فيسبوك» أنهم يعتبرونها أكاذيب ملفقة حتى لو صدرت عن إدارة ترامب ذاتها، وهذا ما يفعلونه إزاء كل ما يتعارض مع توجهاتهم وأهدافهم. ويبقى هناك بعض «الجمهوريين» المعتدلين الذين يعتقدون أن من الخطأ غض الطرف عن تراجع صناعة السياحة الأجنبية في الولايات المتحدة في وقت يشهد فيه هذا القطاع قفزته النوعية غير المسبوقة في أوروبا وكندا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»