خلال اليومين الماضيين (28 - 29 نوفمبر الجاري)، عقد مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مؤتمره السنوي الثامن للتعليم حول «التعليم والتربية الأخلاقية: نحو منظومة تعليمية تعزز القيم في المجتمع»، وظهرت أهميّته الأساسية في كونه يلقي الضوء - كما جاء في الكلمة الترحيبيّة لمدير عام المركز الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي- على المبادرة الكريمة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لدعم العملية التعليمية بمادة «التربية الأخلاقية» في المناهج والمقررات الدراسية. وعلى النحو الذي رأيناه خلال الشهور الماضية، فإن رؤية سموه للمسألة الأخلاقية مثّلت حاجة وطنية وقومية أيضاً، ذات ميراث مشترك، يُعيد التأكيد على المنظومة الأخلاقية من خلال ضوابط تتحكم فيها الدولة، وهذا يعطيها الطابع المؤسساتي، وبذلك يخرجها من ضيق النفور والظلامية والخوف والإرهاب، إلى سعة الإقبال والنورانية والأمان والسلم الاجتماعي، وهذا يعني أن المدخل للنهوض ينطلق من منظومة القيم، وكأن الإمارات عبر قيادتها الرشيدة تقول للعالم أجمع: «هناك رؤية خاصة بالإمارات تتعلق بالجانب الأخلاقي، منفتحة على الآخر، ومتسامحة معه، وباحثة عن صيغة للتعايش، ترفض كل ما يؤثر سلْباً في العلاقات بين البشر، حتى لو كان نابعاً من قوى اجتماعية داخلية ذات تأثير على الأجيال، استمدت شرعيّة وجودها من تحكّمها في المنظومة الأخلاقية. لقد بيَّنت الكلمات والمُداخلات في مؤتمر مركز الدراسات السنوي الثامن للتعليم، أن: الاستناد إلى مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الخاصة بالتربية الأخلاقية تعني السعي إلى تعميق القيم الأخلاقية والإيجابية، وترسيخ الهويَّة الوطنية، وتعزيز قيم الانتماء والولاء، على ثلاثة مرتكزات، أولها: تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وثانيها: القيم العربية الأصيلة، وثالثها: أخلاق أهل الإمارات، وانطلاقاً من هذه المرتكزات تخاطب الإمارات العالم، وتتحاور معه عبر دراسة واحترام لكل تجارب دول العالم، بما فيها تلك المُتعلِّقة بالأخلاق الخاصَّة بكل مجتمع. من الناحية العمليّة تبدو الإمارات ماضية في تجربتها لأجل تعميق قوتها الناعمة، وهي في ذلك تراقب بجدية ووعي الأحداث الجارية في المنطقة، وقد أدركت أن التركيز على التربية الأخلاقية يمثل مدخلاً حقيقياً لحماية الفرد والمجتمع والدولة من الهزات الكبرى، وخاصة تلك المتعلقة بالإرهاب، وتصر فيما يبدو على المضي في طريقها نحو تغيير اتجاه الوطن العربي من إنتاج وتصدير الأفعال السلبيَّة، إلى تقديم مُنْتج ثقافي يحمل أفكاراً إيجابية، وهي بذلك تُحيي المشروع النهضوي العربي القديم، حين كانت أمتنا صاحبة مهمة عالمية، أي قبل أن تعرف البشرية العولمة الراهنة بمئات السنين. واضح أن الإمارات ستنجح في تعميق المنظومة الأخلاقية، لعدة أسباب، منها: تركيزها على الطابع المؤسساتي للعملية من ذلك ما تقوم به وزارة التربية والتعليم، ومنها أيضاً: وعي المؤسسات والمراكز البحثية والجامعات وتفاعلها مع صانع القرار، من مثل ما يقوم به: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وكليات التقنية العليا.. إلخ، يضاف إلى ذلك اهتمام الباحثين والكتاب والإعلاميين، وهو ما توضحه الكتابات والندوات والمحاضرات. إذاً، كل الدلائل تشير إلى إننا أمام رؤية إماراتية متميزة في المجال الأخلاقي، مواكبة لتطور عام في المجالات الحياتية الأخرى، وهي تبرز الوجه الجميل للدولة، ليس فقط لتحقيق ما يعرف بالقوة النّاعمة، ولكن أيضاً لجعل المنجزات المادية مصاحبة ومترافقة، بل وخاضعة للبعد الإنساني بشقّيه الروحي والفكري، الأمر الذي سيجعل السعادة- تحقيقاً وتطبيقاً وتعميماً- تفاعلاً مع قيم كبرى، ومؤطرة بالدين وبميراث الإماراتيين وعلاقاتهم عبر الزمن.