إذا تتبعنا نفسية المتعصبين الخارجين عن دائرة الإسلام الصحيحة والذين يشوهون بأفعالهم الوحشية وأفكارهم صورة الدين الصحيحة ستجدهم يسبحون في عالم عجيب ما أنزل الله به من سلطان، فهناك من أهل الحسد والتعصب من يرى أن العدول عن مذهب ولو في قيد شبر كفر، ومباينته ولو في شيء نزر ضلال، ومنشأ ذلك قصور في النفس، وهو التعصب واتباع الهوى، وهو أيضاً قصور في العقل، واستفحال الجهل، وأكثر الخائضين في هذا إنما يحركهم التعصب واتباع الهوى. وإن نزعتي الجهل والتعصب متغلغلتان في نفوس هؤلاء وهم لا يشعرون، وإن سلطان الأفكار التي اكتسبت قداسة بمرور الأيام قد تسيطر على القلوب، فتدفع العقول إلى وضع براهين لبيان حسنها وقبح غيرها، ومن الطبيعي أن يدفع ذلك إلى الاختلاف والمجادلة غير المنتجة والأفعال الإرهابية التي لن يستسيغها حتى جنود إبليس، لأن كل شخص يناقش وهو مصفد بقيود الجهل والاتباع الأعمى الخاطئة من حيث لا يشعر، وهذا هو دأب جماعات «داعش» وكل الجماعات السياسية الدينية المسلحة‏?!? ?والتعصب ?ينشأ ?عن ?الجهل، ??وحيث ?كان ?التعصب ?الشديد، ?كان ?الاختلاف ?الشديد.. ?وحيث ?كان ?الاختلاف ?الشديد ?كان ?الاختلاف ?المقيت ?الذي ?يغلق ?أبواب ?الحوار ?ونوافذه ?ويضعه ?في ?بروج ?مشيدة. بالله عليكم ما ذنب المئات من المصلين الذين قتلتهم «داعش» في مسجد في شمال سيناء، في انتهاك بغيض لحرمة وقدسية بيوت الله، ومنافاة لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وللقيم الإنسانية الكونية؟! هؤلاء أناس أتوا من خارج التاريخ يدعون حق الوصاية على الناس، ويقومون بإملاء ما يرون على الناس بالتقية أو بالاستدراج الخبيث، أو بالقوة والعنف، وأسلوبهم هذا من نفث الشيطان، لا من وحي الرحمن الرحيم... وهم يشبهون أصحاب الأخدود الذين تذكر لنا سورة البروج قصتهم، وهم الملك ذو نواس الحميري آخر ملوك حمير باليمن وجماعته، وقد عُرفوا بأصحاب الأخدود لأنهم شقوا خندقاً مستطيلاً في الأرض ثم أضرموا النار في ذلك الخندق، ثم أحضروا المؤمنين بالله من نصارى نجران وطلبوا منهم ترك ديانتهم والدخول في الديانة اليهودية المنحرفة التي كان عليها الملك، وكان مصير من يرفض أن يُلقى في النار وهو حي، أما أصحاب الأخدود فكانوا يتلذذون في تعذيب أولئك المؤمنين المستضعفين الذين لم يكن لهم ذنب سوى الإيمان بالله! إرهابيو سيناء ليسوا ببشر لأن هؤلاء ونظراءهم يمقتون الحياة نفسها، يمقتون النور والعقل والقلب، يمقتون إنسانية الإنسان وروحه وحقوقه التي منحه إياها الله الذي خلق فسوى وقدر فهدى. هم وحوش لهم ألسنة وشفاه، لا رحمة في قلوبهم ولا تقوى ورؤوسهم خاوية، غرائزيون ومارقون، لا يعرفون حداً للكراهية والضغينة. لا يحقد هؤلاء على البشر والعصر فقط، هم يحقدون على كل شيء.. والذي وقع جزء من الموجة اللامتناهية من الإرهاب تعرف أوجها في منطقتنا العربية ليشوه هذا الإرهاب صورة الدين، وليضطرب كل من الفهم الديني والعمل السياسي وليضطرم كل خلاف وكل خصومة عارمة. إنني خائف على جيلي والأجيال التي ستأتي بعدنا... ومعالجة هذه الظواهر صعبة جدا، وما دامت صعبة فالحلول يجب أن تكون جذرية، لأن الذي نقوم به حالياً في سبيل إصلاح منظوماتنا التربوية والتعليمية عبارة عن مسكنات مؤقتة، فنحن بحاجة إلى إصلاح شامل وإلى رؤية جديدة ينظر إليها من زاوية عقلانية التنوير، والعقلانية الرشيدة، والعقلانية النقدية، فالأزمة شاملة، وهي عطالة العقول التي لا ينفع معها أطباء الذات الفردية أو أطباء الذات الجماعية، وإنما أطباء كليون يصفون أدوية شاملة بعد تعزيزها بعلاجات تشخيصية برهانية تتجه إلى عوامل السياسة والثقافة والوعي والإدراك المجتمعي والديني، والتراث والحضارة والمؤسسات، في إطار تداوٍ بما كان يسميه قدماء الأطباء بـ«السكنجبين» وهو مركب من الحلو والحامض أو من العسل..الخ، أو خليط من الإيديولوجية والمعرفة، من التراث والحداثة، من استخلاص تجارب الماضي واستشراف آفاق المستقبل.