الأحداث التي شهدتها مصر يوم الجمعة الماضي، تكاد تكون استنساخاً لما عرفه العالم الإسلامي في نهاية القرن الثالث الهجري مع القرامطة، الذين كانوا يبيدون قرى بأكملها، ويقتلون النساء والأطفال والشيوخ، أما الحشاشون وهم أيضاً من الإسماعيلية الباطنية فقد استخدموا الإرهاب المنظم والمخطط له سلاحاً سياسياً، حيث كان الحشاشون يعتقدون أنَ قوة صغيرة مُنظمة ومُخلصة تستطيع الضرب بتأثير وفعالية ضد عدو متفوق بصورة هائلة. أياً يكن فإن أقرب التنظيمات الإرهابية نسباً بهذه العمليات هي «داعش» التي تعيش اليوم بيننا. الجريمة فريدة من نوعها، وقد يكون للثأر والأحقاد والعداوات الشخصية دور إلى العامل العقدي، غير أن ما شهده العالم الأسبوع الماضي كان جريمة كاملة نموذجية! وعوداً إلى الحشاشين فهم حسب برنار لويس «لم يكونوا مجرد قاطعي أعناق بسكاكين»، فقد كانت لهم أهدافهم السياسية التي تكمن في إقامة «الإمامة»، وتشويه النظام السُّني وتدميره. كان عدوهم المؤسسات السُّنية السياسية والعسكرية والإدارية والدينية، وكل من يمتلك نفوذاً وتأثيراً، وكانت أعمال اغتيالاتهم قد صُممت لإخافة هذه المؤسسات ولإضعافها والإطاحة بها. المثير في القصة أن حركة ودولة القرامطة وعصر الفاطميين، وعهد الحشاشين وأساطيرهم، كلها انتعشت في حقبة تاريخية واحدة وتداخلت أحداثها، وتشابكت أحياناً، خلال ثلاثمائة سنة أو تزيد. واندثرت وتلاشت بعد ذلك في وقت متقارب، ولكن بقيت جيوبها في الجزيرة العربية وأطرافها وفي فارس والهند، ولا تزال حتى اليوم، وكان للتاريخ والزمن والتجارب أثرها في تشكيل هذه العقائد، وكان البويهيون في القرن الخامس الهجري يمثلون لوناً رابعاً، ولكنهم كانوا حلفاء الخليفة العباسي، كانوا اثنا عشرية وممن استشعروا خطر الفاطميين في مصر والشام وشمال أفريقيا. كانت هناك خلافات وقعت بين طوائف الإسماعيلية القرامطة، وحدثت اغتيالات وتصفيات داخلية، تسببت بانشقاق داخل هذه الطائفة من الإسماعيلية، ومن جهة أخرى كانت حروب بين القرامطة وبين إخوانهم الفاطميين أنفسهم إثر خلافات عقائدية نابعة من تطرف القرامطة، وللتذكير فإن الحشاشين أو الحشيشية والفاطميين العبيديين، والقرامطة كلهم إسماعيلية. انشقت الإسماعيلية العبيديون إلى داودية ونزارية، كان وريث الأخيرة وداعيتها الأساسي هو الحسن الصباح، والحشاشون كانوا إسماعيلية نزارية أقرب إلى فاطميي مصر، ولكن الحشاشين كانوا وسطاً بين جنون القرامطة في فورتهم الأولى، قبل استقرار أفكارهم ودولتهم، وبين دولة الفاطميين الذين كانوا حذرين للغاية من أي مغامرات لإخوتهم وأبناء مذهبهم النزارية، وكان الفاطميون يوسعون دولتهم ضمن محيط من العالم السُّني، وهذا ما تسبب حسب بعض التفسيرات في عدم الحماس لشيخ الجبل (الحسن الصباح) ومخططاته. ظهرت دولة العبيديين في مصر بعد سنوات قليلة من الجرائم التي قام بها القرامطة في العراق والشام وشرق الجزيرة العربية وفي مكة والمسجد الحرام، ومع ذلك قامت للقرامطة دولة هددت الفاطميين أيضاً وامتدت حتى الشام قبل أن تنحسر. العبيديون عند قيام دولتهم كانوا أكثر حذراً من الوصمة العقائدية والفجور الذي عُرف به القرامطة، وفي حرص على أن يتجنبوا أي التباس بينهم وبين القرامطة. وكان الفاطميون يرقبون بإعجاب ما يبنيه الحسن الصباح، وكان القرامطة يتعاطفون مع شيخ الجبل، وكان شيخ الجبل ينأى بنفسه عن هؤلاء، ويرنو ببصره وأشواقه وروحه نحو قاهرة المعز، وكان القرامطة يهددون الفاطميين ولكنهم يجدون امتدادهم فيهم. وما من شك في أن الإسلام السياسي السُّني، و«القاعدة»، و«داعش»، و«النصرة»، وحاكم قطر، يجدون الشيء نفسه في جريمة الجمعة التي استهدفت كسر المصريين وإحداث الفتنة بينهم، وفوق ذلك، امتاز الإسلام السياسي مع «الإخوان المسلمين» و«القاعدة» بعلاقة وطيدة بإيران، مهد العقائد الباطنية والتنظيمات السرية.