انطلقت جولات جديدة من الحراك السياسي في الملف السوري بعد أن تغيرت معادلات القوة على الأرض إثر المعارك العنيفة التي خاضتها قوات النظام السوري وحلفاؤها، وتصاعد المعارك ضد «داعش» إثر استعادة مدينة البوكمال الحدودية، وطرد التنظيم من جميع بلدات وادي الفرات. مكاسب على الأرض ستتم ترجمتها لاحقاً على طاولة المفاوضات الدولية سواء في جنيف أو في الأجندات الدولية للاعبين الرئيسيين على الساحة السورية. لقد انعكست التغييرات في معادلة القوة في سوريا خلال قمة سوتشي الروسية التركية الإيرانية، وكذلك اجتماع الرياض، ومن ثم اجتماعات «جنيف 8» القادمة. هل اقترب الحل في الملف السوري؟ ومن يملك مفاتيح الحل في هذا الملف؟ وقد جرت في مدينة سوتشي الروسية الثلاثاء الماضي أعمال القمة الروسية الإيرانية التركية الهادفة للبحث عن التسوية السلمية للأزمة السورية، حيث دعا الرؤساء الثلاثة بوتين وروحاني وأردوغان لحوار سوري واسع بمشاركة ممثلين عن جميع مكونات المجتمع السوري. وأكدت الدول الثلاث في البيان الختامي للقمة التزامها بضرورة الحفاظ على «سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها». وشددت على أن «من الضروري ألا يقوض إنشاء مناطق خفض التصعيد، أو أي مبادرة سياسية أخرى خاصة بتسوية الأزمة السورية، سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، أياً كانت الظروف». وأكدت على «مساعدة السوريين في إعادة وحدة البلاد، وتحقيق التسوية السياسية للأزمة من خلال عملية شاملة وحرة وعادلة وشفافة يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم». وأضاف البيان أن هذه العملية يجب أن تكون «موجهة إلى تبني دستور يحظى بدعم من الشعب السوري، وإجراء انتخابات حرة وعادلة بمشاركة جميع السوريين، بمراقبة مناسبة من قبل الأمم المتحدة». وعكس البيان الختامي النقاط الرئيسية التي تلتقي فيها الدول الثلاث، فيما أكد أردوغان على أن المعارضة التي ستحضر مؤتمر «الحوار الوطني» المرتقب، لابد أن «تلتزم سيادة سوريا واستقلالها، ووحدة أراضيها وبنيتها غير القابلة للتجزئة»، في إشارة واضحة إلى تطلعات جزء من الأكراد السوريين لتأسيس حكم ذاتي. بينما شهدت أيضاً العاصمة السعودية الرياض الاجتماع الموسع الثاني للمعارضة السورية، حيث أعلنت في بيانها الختامي الاتفاق على أسماء الهيئة العليا للمعارضة السورية، التي تضم ثلاثين عضواً غالبيتهم من المستقلين، وشملت القائمة نفس حصص الهيئة السابقة التي ضمت المستقلين والائتلاف الوطني وفصائل الثوار وهيئة التنسيق، إضافة إلى منصتي موسكو والقاهرة. وأكد البيان على رحيل نظام بشار الأسد قبل البدء في المرحلة الانتقالية، وألا يكمل فترته الرئاسية الحالية، كما تضمن البيان الختامي عدداً من النقاط أبرزها: خوض المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة، وأن مرجعية التفاوض هي قرارات مؤتمر الرياض 2، وحل الأزمة وفق القرارات الدولية، ورفض التدخلات الإقليمية والدولية وعلى رأسها الإيرانية منتقدين، في هذا المقام، الدور الإيراني «في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وإحداث تغييرات ديموغرافية فيها»، ومغادرة المقاتلين المدعومين من طرف إيران، والتأكيد على محاسبة مرتكبي جرائم الحرب. وأكد المجتمعون «الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وإصلاحها، مع وجوب إعادة هيكلة مؤسساتها الأمنية والعسكرية وإصلاحها. وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد أكد في مطلع الاجتماع أنه «لا حل لهذه الأزمة دون توافق سوري، وإجماع يحقق تطلعات الشعب وينهي ما عاناه، على أساس بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254». إن المناقشات والتوافقات التي حصلت في مؤتمر سوتشي تتجاوز الملف السوري إلى مناقشة أزمات المنطقة الأخرى، وتتجاوز ما أعلن عنه كنتائج للقمة أو ما تمت صياغته في البيان الختامي، وقد أظهرت السنوات الماضية محورية دور الأطراف الخارجية في صناعة الحدث السوري، وأهمية التوازنات الدقيقة الداخلية والخارجية للوصول إلى سلام بعيد المنال على الساحة السورية بالوصول إلى تسوية سياسية ترضي جميع الأطراف. ---------------- * كاتبة إماراتية