ابتلي العالم «تشارلز داروين» صاحب نظرية التطور بنقد وهجوم بل وشتائم المعارضين لنظريته.. ولا يزال! ويقول الشيخ اللبناني المعروف «نديم الجسر» في كتابه «قصة الإيمان بين العلم والفلسفة والقرآن»، إن الحملة كانت قاسية هوجاء على «داروين»، إلى الحد الذي خرج به أعاظم رجال اللاهوت في العالم، وكثير من رجال العلم والسياسة والصحافة عن أدب النقاش العلمي إلى السب والشتم والتهكم والأذى والتكفير. ويكفيك أن تعلم مثلاً أن أسقف أوكسفورد وهو من أكبر العلماء، أعلن في خطبة ألقاها أمام «مجمع تقدم العلوم» في بريطانيا «إن داروين ارتكب أشنع جريمة حينما حاول أن يحدد مجد الله في فعل الخلق». وأن الكاردينال «ماننغ» قال: «إن مذهب داروين فلسفة وحشية تؤدي عقلاً إلى إنكار الإله»، ووضع كبير أساقفة ملبورن اتهامه في كتاب له بأنه «يزرع في نفوس الناس بذرة الكفر وإنكار الكتب السماوية»، وقال رجل دين فرنسي بارز عن مذهب داروين «إنه من المذاهب المرذولة التي لا يؤيدها إلا أحط النزعات وأسفل المشاعر، فأيدها الكفر وأمها القذارة»، وأعلن أحد أساتذة اللاهوت الألمان في لايبزيج «أن فكرة النشوء والارتقاء تناقض الحكمة الإلهية، وأن فكرة الخلق ملك للدين لا للعلم الطبيعي»، ودعا أحد علماء اللاهوت في سويسرا إلى «القيام بحرب صليبية ضد هذا المذهب الخاطئ المفسد»، ووصف أحدهم داروين وأتباعه بأنهم «مبشرو البلاليع القذرة، وفي الكلية الأميركية في بيروت طرد الأساتذة الذين ظهر أنهم يقولون بمذهب داروين». وفي عام 1877 وقف الطبيب والسياسي الألماني «فيرخو» بقوة ضد النظرية وضد الفيلسوف «آرنست هيكل»، الذي كان يروج لها. وطلب من الحكومة «أن تمنع درس مذهب التطور من مدارسها خيفة أن يصدِّع هذا المذهب معتقد النشوء، ويذهب بالبقية الباقية مما ورثوه عن أجدادهم من الدين، فكان هذا الطلب عند أولي الأمر القابضين على دفة التعليم مجاباً، وتقبله وزراء المعارف من زعيم حزب التقدم مغتبطين متهللين، وكان على أثر ذلك أن حُرّم على النشء تعلم مذهب داروين، وحيل بينهم وبين دراسة علم الحياة، فأقيم بين الناس وبين البحث في هذه العلوم حجاب صفيق». يقول «جون كاننج» عن معارك «نظرية التطور» في كتابه حياة مائة شخصية بارزة 1969: «لم تخض أي معركة فكرية في القرن التاسع عشر، على جبهة بهذا الاتساع، ولا أثارت كل تلك المرارة والأسى بين الأفراد، وكتلك التي تلت صدور كتاب تشارلز داروين «أصل الأنواع» عام 1859، الذي عرض فيه نظريته عن التطور، فقلّة من الكُتّاب والمؤلفين في أي مجال تعرضوا لمثل هذا الهجوم والسباب كداروين». تجدد الهجوم الكاسح على تشارلز داروين ونظرية التطور صيف عام 2017 الحالي. هذه المرة، دعا كاتب بريطاني إلى إسقاط ما أسماه بـ«صنم تشارلز داروين»، وإلحاقه بأصنام المستبدين التي أسقطت على يد الشعوب»! وجاء في بعض الصحف أن «أندريو نورمان ويلسون»، المعروف بمؤلفاته الجريئة حول السير الشخصية للمشاهير، يرى أن الوقت قد حان لتنحية داروين ونظريته المتناقضة من «مكانته العلمية المقدسة». كما يصدر له قريباً كتاب بعنوان «تشارلز داروين: صانع الأساطير الفيكتوري». وقد طالب «ويلسون» في مقاله الذي نشرته صحيفة «ايفننج ستاندارد»، أن يُزال تمثال «داروين»، الذي يتصدر قاعدة متحف التاريخ الطبيعي في لندن مثلما أزيحت صورته من على ورقة العشرة جنيهات استرلينية النقدية، التي وُضعت عليها حديثاً صورة الروائية البريطانية «جين آرستن». وربط «ويلسون» بين داروين وطغاة العصر مثل ستالين وقال إن نجم «داروين» أخذ يأفل بنهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، لكنه عاد إلى السطوع مرة أخرى في منتصف القرن العشرين حيث شهد العالم ظهور علم الجينات. ويذهب الكاتب «تومسون» في مقالته «حان الوقت لفضح تشارلز داروين بوصفه عالماً مزيفاً»، إن الداروينية ليست علماً كما هو الحال مع علم الجينات التي أرساها بالأصل العالم النمساوي «جريجور مندل»، وأن «الداروينية نظرية لا تزال تحتاج إلى دعم مجموعات من العلماء حول العالم». وقد أثبت «علم المتحجرات» يقول تومسون، إنه لا توجد حلقات مفقودة مثل تلك التي تؤمن بها النظرية الداروينية، «ولو كانت نظرية الانتقاء الطبيعي صحيحة لكان العلماء قد عثروا على مئات الآلاف من الحلقات المفقودة في سياق التطور التدريجي». واتهم «تومسون» نظرية التطور بأنها تدعو إلى إهمال الفقراء والضعفاء، و«قد وظف النازيون فكرته هذه لاستئصال الشعوب الأدنى منهم». وكانت الصحيفة قد نشرت قبل ذلك بأيام تقريراً عن اكتشاف في جزيرة كريت جنوبي اليونان يعود لنحو قرابة 6 ملايين عام بعنوان «أثر قدم بشرية في اليونان يعيد النظر في نظرية تطور الإنسان. وذكر أحد العلماء أن «هذا الاكتشاف يتحدى السرد الثابت للتطور البشري المبكر، من المرجح أن يتولد عنه الكثير من النقاش». وتحدث مقال آخر عن منزل داروين «داون هاوس ويقع على بعد 14 ميلاً إلى الجنوب الشرقي من وسط لندن بالقرب من قرية «داون»، وهو منزل كبير يطل على مشاهد خلابة بأطراف لندن، وقد قضى داروين الأربعين عاماً الأخيرة من عمره هناك، بعد أن انتقل إليه برفقة زوجته وأول طفلين لهما عام 1842، ليرزقا بعدها بثمانية أطفال آخرين، ثلاثة منهم ماتوا في سن الطفولة. بيع المنزل في بداية القرن العشرين ليتحول إلى مدرسة صغيرة للبنات، واستمر البيت يستخدم لهذا الغرض حتى بداية العشرينيات إلى أن أغلقت المدرسة. غير أن مجموعة من كبار العلماء قاموا بجمع التبرعات وتم تحويله عام 1929 إلى متحف عام، وساعد أحد أبناء داروين في إعداد المتحف بتقديم الصور الفوتوغرافية والإرشاد فيما يتعلق باستخدام الغرف والتصميم الداخلي. كذلك قامت العائلة بإعادة قطع الأثاث والتحف الفنية إلى البيت، وبخاصة الكرسي والمنضدة التي كان داروين يستخدمها لكتابة أبحاثه، والبيت حالياً والحديقة المحيطة به، تحت رعاية «هيئة التراث الإنجليزي». يقول ستيف بلتشير: «يعتبر داروين أحد أكثر المفكرين تأثيراً في التاريخ الإنساني، وجاء دفنه بكنيسة ويستمنستر بوسط لندن، اعترافاً بمدى تأثيره وشهرته». ولد داروين عام 1809 وتوفي عام 1882 عن عمر ناهر 73 عاماً».