ما المصير الذي ينتظر أوروبا، أو بكلمة أدق الاتحاد الأوروبي، وهو يسير منذ سنوات مديدة من أزمة إلى أخرى، بدءاً من الأزمة النقدية ومأزق الديون السيادية، إلى أزمة الهجرة وتداعياتها المثيرة لقلق قطاعات واسعة من الشارع الأوروبي، وصولاً إلى أزمة «البريكسيت» وتحديات ما بعد الخروج البريطاني من الاتحاد؟ هذا ما يقدم الكاتب البلغاري إيفان كريستيف إجابة عليه في كتابه: «مصير أوروبا»، الصادر في نسخته الفرنسية، قبل أسابيع. ولعل مما يعطي هذا الكتاب صفة وحيثية لدى كثير من القراء والباحثين الغربيين أن مؤلفه إيفان كريستيف يعتبر الآن أحد أبرز المتخصصين الأوروبيين في الشؤون الروسية، وبصفة عامة في الدراسات ما بعد السوفييتية. كما تولى أيضاً تأسيس أو إدارة أو عضوية العديد من مراكز الدراسات في صوفيا، وفي فيينا التي يتخذ منها الآن مركزاً، كما يكتب أيضاً في بعض أبرز الصحف الدولية مثل نيويورك تايمز ولوموند. وفي هذا الكتاب الواقع في 153 صفحة يرى الكاتب أن أوروبا تقف الآن على مفترق طرق وفي مرحلة أسئلة صعبة حول مصير مشروعها الاتحادي، والمآلات الممكنة، وحجم وزخم التحولات المتوقع حصولها فيها كدول ومجتمعات، بالنظر إلى جسامة التحديات الداخلية المتفاعلة ذاتياً والخارجية المحدقة بها أيضاً من كل حدب وصوب، وفي مقدمة ذلك طبعاً نزعات التفتت والتفكك ليس للمشروع القاري فقط، على ما دل الخروج البريطاني، وإنما أيضاً على مستوى بعض الدول الوطنية ذاتها لجهة تنامي النزعات الانفصالية فيها. ومن هنا يعلق أنصار المشروع الأوروبي، الأكثر تحمساً وتعلقاً بروحه الوحدوية وقيمه المشتركة، كل الآمال الآن على إعادة إطلاق قوية وفعالة للثنائي الفرنسي الألماني الذي ظل على الدوام هو المحرك أو رأس القاطرة التي تقطر المشروع القاري كله. وقد ازداد الأمل في تمكن محور باريس- برلين من تحقيق قفزة أخرى بالحلم الأوروبي إلى الأمام خاصة بعد انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يعتبر أحد أكثر الزعماء تعلقاً بالمشروع الاتحادي الأوروبي، هذا فضلاً عن وجود ذات النزعة الأوروبية الصلبة كذلك لدى الزعيمة الألمانية أنجيلا ميركل، المتوقع أن تتجاوز هي أيضاً مصاعب ما بعد الانتخابات الأخيرة. على أن المؤلف لا يرى أن مشكلات أوروبا الأخطر الآن ذاتية، في الأساس، على رغم التحديات المالية والاقتصادية، والديون الثقيلة، وازدياد الصدوع على خطوط استقطاب قاري بين دول الاتحاد في الشرق والغرب من جهة، والشمال والجنوب من جهة أخرى، وإنما تمثل أزمة الهجرة في رأيه التحدي الأصعب الذي قد يغير وجه القارة كلها، ويقلب بوصلة أولوياتها لفترة طويلة مقبلة، وذلك بالنظر إلى حجم الأعداد الهائلة من المهاجرين الذين تدفقوا على أوروبا خلال الثلاث سنوات الماضية، وهو ما قد يشكل تهديداً ليس فقط للهوية، ولا للثقافة والبنية الديموغرافية، وإنما كذلك أيضاً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ويتزامن هذا الطوفان من المهاجرين مع تنامي خطر آخر مواز ومساعد على ترجيح أسوأ الاحتمالات هو صعود الحركات الشعبوية، وعودة الخطاب اليميني المتطرف لاستقطاب قطاعات من الرأي العام وخاصة في صفوف الشرائح الشعبية، قد يزيد الشعور بها أو يقلّ عن بلد أوروبي إلى آخر. وهو ما يهدد أيضاً في الصميم منظومة القيم الديمقراطية، والروح الاتحادية الأوروبية، وخاصة أن الرياضة الصباحية المعروفة لدى معظم الحركات الشعبوية واليمينية المتطرفة في القارة هي إعلان العداء للاتحاد الأوروبي نفسه، ورفع شعارات انعزالية انفصالية، تدعو للتشرنق حول الذات القومية وداخل حدود الدول الوطنية، والتخندق خلف الحزازات والحساسيات الثقافية والعرقية، المتعارضة أصلاً، نشأة ومضموناً مع فكرة الانتماء الاتحادي الأوروبي الجامع العابر للجنسيات والحدود الوطنية، وهو عادة عنصر الإلهام الأكثر جاذبية في المشروع الأوروبي ككل. حسن ولد المختار الكتاب:مصير أوروبا المؤلف:إيفان كريستيف الناشر:بريمييه باراليل تاريخ النشر:2017