يعد صنع قرارات السياسة الخارجية حقلاً مهماً للبحث والدراسة، لأن طريقة اتخاذ القرارات يمكن أن تشكل الخيار النهائي، إذ قد يصل الطرف المعني إلى نتائج مختلفة بناءً على عملية صنع القرار. وإلى ذلك فإن القيود المعرفية غالباً ما تشوه عملية معالجة المعلومات، وهناك قرارات تُحسَب بعناية، بينما تُتخذ قرارات أخرى بالاعتماد على الحدس والتخمين. وفي كتابهما «فهم صنع القرار في السياسة الخارجية»، ينطلق المؤلفان أليكس مينتس (الباحث في مجال السياسات والاستراتيجية والمحرر المشارك في مجلات «بوليتكال سيكولوجي» و«فورين بوليسي أناليسيز» و«جورنال أوف كونفليكت ريزوليشن») وكارل دي روين الابن (أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة ألاباما)، من سؤال عريض: لماذا ندرس السياسة الخارجية من منظور صنع القرار؟ وفي مستهل كتابهما يشرح المؤلفان مصطلح «صنْع قرارات السياسة الخارجية» (FPDM)، موضحَين أنه يشير إلى الخيارات التي يتبناها الأفراد والجماعات والتحالفات.. والتي تؤثر في أعمال دولة ما على المسرح العالمي. ثم يتناولان أنماط القرارات ومستويات التحليل في صنع قرارات السياسة الخارجية، والخصائص الرئيسية في بيئة القرار، مثل قيود الزمن، ومشكلات المعلومات، والتوجس، والغموض، والمخاطر، والمساءلة، وحالة المشهد (ديناميكية أم استاتيكية)، وبقية الظروف الأخرى الخارجة عن تحكم وحدة صنع القرار. كما يوضح الكتاب وجود سلسلة من التحيزات والميول المعرفية تؤثر على صنع القرار في السياسة الخارجية، فيشرح بالتفصيل التحيز تحت تأثير «التفكير الرغبوي»، و«الرد السريع من دون تفكير في النتائج»، والانحياز تحت تأثير «تفضيل يفوق تفضيلاً»، والتحيز نحو «نموذج الاختيار على مرحلتين باستبعاد غير المقبول أولاً». هذا علاوة على مؤثرات أخرى في صنع القرار من جانب الديناميات الجماعية المعروفة باسم «التفكير الجماعي» و«التفكير متعدد الآراء»، إلى جانب تأثير الاستقطاب الجماعي. ويقدم المؤلفان في كتابهما نموذج الفاعل العقلاني في صنع قرارات السياسة الخارجية، محلليْن نموذج الفائدة المتوقعة من الحرب، ومستعرضين بعض «نماذج نظرية اللعبة»، مثل لعبة «معضلة السجينين» ولعبة «الشجاع والجبان» واستراتيجية «هذا مقابل ذاك». وإلى ذلك يقدم الكتاب نماذج بديلة لنموذج الفاعل العقلاني، وهي نماذج توفر تفسيرات متنوعة لعملية صنع القرار، ويقوم بتطبيقها على دراسة حالة قرار عدم غزو العراق في عام 1991. كما يتناول آليات انتقاء الاختيارات من بين مجموعة بدائل باستخدام نماذج مختلفة للقرار، ويقدم تحليلاً تطبيقياً للقرار، كإجراء يهدف إلى كشف نماذج القرارات لدى القادة. ويكرس المؤلفان فصلاً خاصاً من كتابهما لدراسة العوامل السيكولوجية التي تسهم في تشكيل قرارات السياسة الخارجية، وفيه يتضح لنا كيف تتأثر القرارات بالصور والعواطف والمعتقدات، وبالاتساق المعرفي الإدراكي، وبالمقارنة مع حالات تاريخية مشابهة، وبشخصيات القادة ونمط القيادة. وفي فصل آخر منه، يتناول الكتاب المحددات المحلية والدولية لقرارات السياسة الخارجية، ويتطرق إلى موضوعات مختلفة مثل: الردع، والتحالفات، وسباقات التسلح، ونمط النظام الحاكم لدى الخصم، والمفاجأة الاستراتيجية، والظروف الاقتصادية، والرأي العام، والدورات الانتخابية. كما يتناول القرارات بشأن استخدام الأدوات غير العسكرية في السياسة الخارجية، مثل: المساعدات الاقتصادية، والتجارة، والوساطة والتفاوض. ويحتوي الكتاب على عرض واسع وشامل حول صياغة القرارات وتسويقها، مما يتطلب دراسة عناصر السياسة عندما تتحرك وحدات صنع القرار لـ«تسويق وبيع» قراراتها للشعب، وكذلك تأثير وسائل الإعلام في صنع قرارات السياسة الخارجية. ولعل أقوى فصول الكتاب، ذلك الذي يكرسه المؤلفان لدراسة حالة قرار الولايات المتحدة بغزو العراق في عام 2003، حيث أوضحا أن قرار الغزو تم اتخاذه في بيئة ديناميكية، إذ قُدِّمت معلومات جديدة من قبل مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة خلال الأزمة، لكن هذه المعلومات لم تغير موقف الولايات المتحدة، مع أنه لم يكن هناك ضغط خاص أو قيود زمنية على الإدارة الأميركية تجعل من قرار الغزو خياراً حتمياً لا محيد عنه. وكانت هناك مشكلات خطرة في المعلومات، حيث كان يتم تجاهل الآراء المختلفة والمعارضة كآراء كولن باول. وقد أظهر الكتاب أن شخصية القادة، مثل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، كان لها أيضاً تأثير قوي في صناعة قرار الحرب والغزو. لكن ذلك القرار بغزو العراق، كما يوضح الكتاب، كان يحتوي على حزمة من القرارات التسلسلية: هل ستهاجم؟ وإذا كنت ستفعل ذلك، هل ستهاجم من الجو أم من البر أم من الاثنين معاً؟ وهل ستحتل العراق؟ وهل ستدمر جيشه؟ ومن ستضع في سدة الحكم؟ وكم من الزمن ستبقى في العراق؟ وهكذا يعد صنع قرارات السياسة الخارجية حقلاً فرعياً من العلاقات الدولية، وهو حقل غني ومتنوع. لذلك ليست ثمة طريقة وحيدة لتقييم صنع قرارات السياسة الخارجية وفهمها، ورغم ذلك فالهدف من شرح كيفية صنع هذه القرارات، ولماذا تصنع، هو معرفة بواعثها وأهدافها وشروطها، وذلك من خلال النظريات والنماذج والمفاهيم المستخدمة في صناعة القرارات، وهذا ما وضحه الكتاب أفضل توضيح عبر أمثلة ودراسات حالات، ممهداً بذلك لمزيد من التكامل بين المناهج المختلفة في صنع قرارات السياسة الخارجية. محمد ولد المنى الكتاب:فهم صنع القرار في السياسة الخارجية المؤلفان:أليكس مينتس وكاري دي روين الابن الناشر:مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر:2017