تتميز الهجرة بأن لها الكثير من الفوائد الاقتصادية في مقابل القليل من الأعباء والتكاليف. فالمهاجرون يدفعون تكاليف تقاعد الأميركيين (الأصليين) المولودين في البلاد، ويؤسسون شركات، ويجعلون الولايات المتحدة مقصداً مرغوباً للاستثمار، بينما لا يأخذون الوظائف أو يتسببون في خفض أجور الأميركيين. بيد أن بعض الناس يهتمون بما هو أكثر من الحسابات المادية والدولارات، فالثقافة أيضاً مهمة بالنسبة لهم. وفي بعض الأحيان، يشعر كثير من المتشككين في الهجرة، بما فيهم عدد من اليسار السياسي، بالقلق من ألا يتكيف المهاجرون مع الثقافة الأميركية. ولكن عليهم ألا يشعروا بالقلق. فآلة الاستيعاب والصهر الأميركية العظيمة تواصل العمل كما ينبغي. ويسيء التقييديون (الداعون إلى فرض قيود على الهجرة) فهم طبيعة الاستيعاب ومدى قوة بوتقة الصهر الأميركية. ويبدو أن لدى كثيرين صورة عن القادمين الجدد ولا يدركون مدى قدرتهم على التكيف والاندماج، والانسجام تماماً مع التقاليد والعادات المحلية. وبالتالي، فإن الاندماج والاستيعاب هو في الحقيقة عملية تكامل، حيث تندمج ثقافات المهاجرين في الثقافة المحلية، وبعبارة أخرى فإن العديد من الثقافات تصبح ثقافة واحدة. والآباء الأميركيون من جميع الأجناس يتوقعون أن يعرف أبناؤهم كيفية استخدام عيدان الأكل في الصين والاحتفال ب«سينكو دي مايو» (أو الخامس من مايو) وهو يوم العطلة الإقليمية في المكسيك، تماماً كما كانت الأجيال القديمة من الأميركيين تحتضن أيضاً أشجار الكريسماس الألمانية، وتتناول «الباستا» الإيطالية. وقد يكون دعاة الحفاظ على نقاء الثقافة غير راضين عن هذا، بينما سيفرح به العالميون (الكوسموبوليتانيون). ولكن بغض النظر عن رأيك في التنوع الثقافي، فمن المهم أن تدرك أن الاندماج ليس أيضاً بالضرورة تخلياً عن كل الثقافة الأصيلة. والسؤال الآن هو: هل ما زال اندماج ممكناً بذات الطريقة؟ يبدو أن الإجابة هي «نعم». فأفراد مجموعات المهاجرين الحديثة -المهاجرون من أصل إسباني والأميركيون الآسيويون- يندمجون بسرعة أكبر، مقارنة مع سرعة اندماج الموجات السابقة من المهاجرين الآتين من جنوب وشرق أوروبا قبل قرن من الزمن. وفي الماضي، كانت البحوث تركز بشكل وثيق على مسألة التكيف اللغوي. وهنا كان الأميركيون من أصل إسباني -وهم إلى حد بعيد أكبر موجات المهاجرين الأخيرة- يتبنون اللغة الإنجليزية بنفس السرعة التي كانت مجموعات المهاجرين السابقة تتبناها بها. ولكن التكامل الثقافي يذهب إلى أبعد من اللغة. فهو ينطوي على أشياء أخرى كثيرة للغاية -العادات والتقاليد والاتجاهات وأنماط التفاعل الاجتماعي- إلى درجة أنه أصبح من الصعب قياسه الآن. غير أن أحد المؤشرات الجيدة هو معدلات التزاوج. فليس هناك مظهر للتكامل أعمق أو أطول أمداً من أن تختار قضاء حياتك مع شخص من مجموعة عرقية أو إثنية أو ثقافية مختلفة. وهنا، نرى أن مجموعات الهجرة الأخيرة كانت تتزاوج بمعدلات سريعة. وقد خلصت دراسة حديثة أجراها معهد «بيو» إلى أن معدل الأميركيين الذين يتزوجون من شخص من عرق أو إثنية أخرى قد ارتفع بشكل مطرد، ليبلغ حالياً 17%. وقد تسارع هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة، ربما بسبب انتشار التعارف عن طريق الإنترنت. ولكن بالنسبة للأميركيين من أصل إسباني أو الأميركيين الآسيويين، فإن المعدلات أعلى بكثير. وتقريباً هناك 4 من كل 10 إسبانيين مولودين في الولايات المتحدة يتزوجون شخصاً من أصل إثني مختلف، أما نسبة الآسيويين المولودين في الولايات المتحدة فهي 46%. والأغلبية العظمى من هذه الزيجات هي مع الأميركيين البيض. كما يسمح لنا التزاوج أيضاً باختبار الفرضية القائلة إن الخطاب متعدد الثقافات -المشترك في حرم الكليات الليبرالية- سيبطئ معدل اندماج مجموعات المهاجرين. وفي الواقع، فإن الأميركيين الحاصلين على درجة البكالوريوس -أي المفترض أنهم قد تعرضوا لقدر أكبر من تجارب التعددية الثقافية- يتزاوجون بنسبة 19%، في حين أن هذه النسبة تنخفض إلى 14% بين الأميركيين الحاصلين على شهادة الثانوية فقط أو أقل من ذلك. وقد زادت هذه الفجوة في السنوات الأخيرة، ما يشير إلى أن التعددية الثقافية لم تفعل شيئاً يذكر لعرقلة التكامل، بل ربما أسهمت في تسريعه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»