لقد أحسن الدكتور عبدالسلام المسدي صنعاً في كتابه «العرب والانتحار اللغوي» في تفسير وتحليل وتوصيف التحديات والإشكاليات العديدة التي تتعرض لها اللغة العربية، خاصة من معسكر مناهضي اللغة العربية الذين يستخدمون كل الأساليب لمحاربتها، فمثلاً يربطون بين الإرهاب واللغة العربية لتقترن في الذهن صورة العربي وصورة الإرهاب، وهذه العملية اللغوية الذهنية النفسية الثقافية يتم تشغيلها لإحداث اقتران مبطن يجمع صورة العربي وصورة المسلم، ثم يمعن في مزج الأخلاط داخل سلة الإرهاب! ويطرح المسدي في كتابه بعض النقاط المهمة المتعلقة بموضوع اللغة، مثل الأسباب التي تدفع البعض من أبناء اللغة العربية إلى الاعتقاد بأن اللغة الأجنبية هي الملاذ المكين الموصِل إلى التقدم الحضاري، ويمعنون في الإصرار على أن اللغة العربية قاصرة ومتخلفة لا يتمسك بها إلا من حكم على نفسه بالقصور والتخلف، مع أن كل الدراسات ونتائج الأبحاث التي أجريت حول هذا الموضوع تؤكد بصورة قاطعة أن التعليم بغير اللغة القومية لا يجعل شعباً من الشعوب يبلغ مرحلة النهوض والتقدم، وتجارب الأمم تؤكد ذلك، حيث إنه ما من أمة أو دولة وصلت مصاف الدول المتقدمة علمياً وتقنياً واكتسبت علوم العصر بلغة أجنبية، وإنما وصلت إلى هذه المرحلة المتقدمة، بعد أن اكتسبت علومها العصرية التقنية بالاعتماد على لغتها القومية. ونجد ذلك واضحاً في التجربة التي أجرتها الأمم المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي على الأطباء العرب في أميركا، حيث وجدت أن الأطباء الذين تعلموا الطب بالعربية في بلدانهم كانوا أكثر كفاءة من الأطباء الذين تعلموا الطب باللغة الإنجليزية. فالمعرفة، كما يقول الدكتور أحمد درويش، لا تتوطن في أي حضارة إلا بلغة أهلها. والحضارات يدفع بعضها الآخر بمزيد من العمل، وهذا التدافع شرط لقيام السلام الديني، والذي لا يتحقق دون تنقية التراث من المفاهيم التي يساء استخدامها لصفاء اللغة والدين والضمير معاً، حتى نكون قادرين على فهم التعبير العظيم الذي جاء في القرآن الكريم حول فكرة الحضارات. كما يشير المسدي إلى ظاهرة الاستلاب اللغوي، والتي يؤدي بالإنسان العربي إلى مرحلة الاستلاب الثقافي، أي حين تصبح اللغة الأجنبية جزءاً من النسيج المجتمعي عبر تكريسها من جانب المؤسسة التعليمية والقطاع، على حساب اللغة القومية، وهذا ما يؤدي إلى الذوبان في ثقافة الآخر وإيجاد عقلية تنظر إلى لغتها القومية الوطنية كلغة متخلفة غير قادرة على مسايرة العلوم العصرية تميل إلى تحقير اللغة الوطنية والازدراء بها. وهذا ما قاله الكاتب عبدالله النملي في مقاله: «احتقار العربية في عقر دارها»، والذي نقل فيه واقعة حول سفير روسيا في المغرب «فاليري فوروبييف» الذي تحدث باللغة العربية، وذلك خلال المنتدى المغربي الروسي الذي احتضنته الرباط في أكتوبر الماضي، بينما اختار كل من وزير الفلاحة المغربي عزيز أخنوش ورئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب مريم الصالح، التحدث باللغة الفرنسية. وقال السفير فوربييف، إنه اختار الحديث باللغة العربية لأنها اللغة الرسمية. وقد سبق للسفير الروسي نفسه أن استغرب قبل ثلاث سنوات محاولة فرض اللغة الفرنسية عليه خلال لقاء نظمته الإيسيسكو، وقال: «كيف يطلب مني أن أتحدث بالفرنسية في بلد لغته الدستورية هي العربية؟!». وهو الموقف الذي تشبث به في عدة لقاءات وأنشطة رسمية، في ظل غرام البعض باللغة الأجنبية!