بعد أن أدت سياسات النظام الحاكم في فنزويلا إلى خنق البلاد مالياً، ودفعت المعارضة إلى الإعلان عن استعدادها لخوض جولة جديدة من المحادثات تنطلق يوم 1 ديسمبر المقبل والمتعلقة بمدى استعدادها للقبول بتنظيم انتخابات رئاسية نزيهة عام 2018، هناك بعض المبررات التي تدعو إلى الخوف من أن يؤدي انهيار النظام الحاكم في فنزويلا إلى تصعيد أزمة اللاجئين في المنطقة. وما لم تسارع الحكومات الديمقراطية الغربية إلى تشديد عقوباتها الدبلوماسية والمالية ضد نظام الرئيس نيكولاس مادورو خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فسوف نشهد نزوحاً جماعياً للفنزويليين عن وطنهم. وأعرب العديد من السياسيين في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية عن خوفهم من أن تشهد فنزويلا أزمة نزوح تشبه ما حدث في سوريا، وحيث ينتظر أن يغادر ملايين الفنزويليين وطنهم وأن يلجؤوا إلى دول أميركا اللاتينية المجاورة وبطريقة مشابهة لتدفق السوريين على بلدان أوروبا، وسيكتشف معظم الفنزويليين قريباً أنه لم يعد أمامهم من خيار آخر غير الهجرة. وهناك ثلاثة عوامل تتعلق بهذه الأزمة وتصبّ في مصلحة نظام مادورو نعرض لها فيما يلي. يتعلق العامل الأول بالمشكلة التي يعاني منها الفنزويليون، التي تتلخص في تضارب مواقف وخطط المعارضة وانخفاض روحها المعنوية بعد انتخابات 15 أكتوبر المزوّرة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تزداد سوءاً كل دقيقة. والعديد من مرشحي المعارضة الذين فازوا في الانتخابات الماضية، فضلوا قطع علاقاتهم مع قيادات المعارضة الرئيسية وأعلنوا عن قبولهم بالانضمام إلى الجمعية التأسيسية الوطنية التي تدين بالولاء لمادورو. ولقد أدت خيانة بعض أقطاب المعارضة إلى انخفاض الروح المعنوية عند عامة الشعب ولأبعد الحدود. وحتى الآن، بلغ عدد الفنزويليين الذين غادروا وطنهم أكثر من 2 مليون منذ تسلم الرئيس الراحل هوجو شافيز السلطة عام 1999. وأشارت مؤسسات متخصصة بالدراسات الإحصائية إلى وجود 1.2 مليون فنزويلي في دولة كولومبيا، ومليون في البرازيل، و600 ألف في بنما، أو ما يعادل في المجموع أكثر من نصف عدد اللاجئين السوريين. وحتى في الأرجنتين البعيدة جداً عن فنزويلا، قال لي الرئيس «موريشيو ماكري» خلال حوار صحفي إن الأرجنتين تستقبل ما بين 300 و1000 فنزويلي كل شهر، وأضاف أن معظم المهاجرين الفنزويليين إلى الأرجنتين هم من أصحاب الحرف وينتمون للطبقة المتوسطة. وبالطبع، لا يمكن لمادورو إلا أن يكون في غاية السعادة لهذه الأخبار. فإذا تفاقمت مشكلة هجرة الحرفيين الفنزويليين لأن النظام يرفض تنظيم انتخابات حرة وعادلة، فسوف يكون من السهل على مادورو السيطرة على ما تبقى من الطبقة العاملة وضمها إلى صفه. وسيكرر بذلك ما سبق أن فعله فيدل كاسترو في كوبا، حيث أبقى على الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفقراء الذين يعتمدون على المساعدات والهبات التي تقدمها لهم الحكومة، وبذلك يكون من السهولة السيطرة عليهم سياسياً. والعامل الثاني الذي يمكنه أن يقوي من وضع مادورو ويحقق له القدرة على التصدي للمحاولات العالمية للضرب على يديه، هو الإعلان عن إفلاس فنزويلا. ولقد بدأ نظام مادورو بالفعل بالتأخر عن سداد بعض دفعات الديون الخارجية المستحقة على فنزويلا. وهناك بعض البوادر التي توحي باعتزام مادورو التوقف تماماً عن دفع الديون وبما يضمن له توفير 9 مليارات دولار من الدفعات الخارجية خلال عام 2018 وبحيث يمكنه استغلال هذا المبلغ في استيراد المواد الغذائية والأدوية. ويضاف لكل ذلك قانون الانتخابات المصمم لضمان فوز المرشحين الحكوميين، وبما سيساعده على استحضار مظهر وهمي مؤقت للإصلاح الاقتصادي خلال الفترة المتبقية التي تسبق الانتخابات الرئاسية للعام المقبل. والعامل الثالث الذي يصب في مصلحة «مادورو» هو أن الائتلاف الذي يتشكل من دول أميركا اللاتينية، والذي يطالب مادورو بإعادة الحياة الديمقراطية إلى فنزويلا، قد لا يستمر طويلاً. فإذا بلغ قصر النظر بالرئيس دونالد ترامب الحد الذي يدفعه للانسحاب من معاهدة «نافتا» للتجارة الحرة مع المكسيك وكندا، فلن تجد المكسيك من الحوافز ما يقنعها بمواصلة جهودها القيادية لدول أميركا اللاتينية للضغط على مادورو. وإذا فاز المرشح المكسيكي الشعبوي الممثل ليسار الوسط «أندريس مانويل لوبيز أوبرادور» في الانتخابات الرئاسية المكسيكية التي ستنطلق في شهر يوليو المقبل، فلا شك أن المكسيك ستتوقف تماماً عن انتقادها لسياسة مادورو إن لم تذهب إلى أبعد من ذلك وتعقد معه صداقة جديدة. ولكل هذه الأسباب، ينبغي على دول أميركا اللاتينية الإسراع بفرض عقوبات مالية ودبلوماسية على نظام مادورو والشخصيات والكيانات التي تتعاون معه. ويمكن أن يتم ذلك بتجميد الأصول المالية للمسؤولين الفنزويليين ومنعهم هم وأقربائهم من السفر ما لم يوافق مادورو على إجراء انتخابات حرة ونزيهة لعام 2018 وبوجود مراقبين دوليين مستقلين. وإذا لم تأخذ دول أميركا اللاتينية بمبادرة فرض الضغوط على مادورو، فسوف تواجه أزمة هجرة واسعة النطاق. أندريس أوبنهايمر* * محلل سياسي أرجنتيني مقيم في فلوريدا ينشر بترتيب خاص مع خدمة (تريبيون نيوز سيرفس)