الحديث عن العبودية في ليبيا عودةً ونقداً وتخويفاً وتهويلاً بعد التقرير المُصوّر الذي بثّته قناة «سي. إن. إن» الأميركيّة، الأيام الماضية، لا يقف عند حدود الواقعة من حيث توصيفها الدولي على أنها نتاج المجتمع الليبي، لأنها في حقيقة الأمر نتاج القوى الدولية التي أوصلت ليبيا إلى الضياع والحرب الأهلية، وتحديداً حلف «الناتو»، الذي أسقط نظام الزعيم معمر القذافي، وقتل عشرات الآلاف من الليبيين العزَّل بحجة دعم الثورة، وحرم الأفارقة الذين يتباكى عليهم اليوم من تحررهم الاقتصادي، عبر سعي القذافي إلى إنشاء «الدينار الأفريقي»، ليكون عُملة لكل القارّة الأفريقيّة، ويحلّ بَديلاً عن الدولار واليورو، لذلك علينا ألا ندين فقط ظهور العبودية من جديد في ليبيا، وإنما نحاسب أيضاً المسؤولين عن عودتها. من ناحية أخرى، فإن التفاعل الإعلامي والسياسي بما في ذلك موقف الأمم المتحدة يعبّد الطريق نحو تدخل سافر من منطلق أن عودة العبودية تتطلب موقفاً حاسماً، وبما أن الدولة الليبية غائبة، بشكل شبه مطلق، فإن البديل هو الإشراف المباشر من الغرب، وبرعاية أممية لحماية المهاجرين الأفارقة، وفي ذلك تبرئة للغرب، وبالذات دول الاتحاد الأوروبي من تحمل المسؤولية تجاه الهجرة الأفريقية، مع أن تلك الدول في حقيقة الأمر مشاركة في بيع الأفارقة في سوق النخاسة في ليبيا، بشكل غير مباشر. والتهويل الإعلامي، صحيح في شقه الإخباري، ولكن مبالغ فيه من ناحية التحليل، ذلك لأن وجود سوق لبيع العبيد في إحدى مزارع العاصمة طرابلس، لا يمكن اعتباره ظاهرة، أوَّلاً: لأنه مجرد حالة عابرة مرتبطة بتردي الأوضاع في ليبيا، وثانياً: لأنه أمر دخيل على قيم وأخلاق الشعب الليبي، مع الاعتراف ببعض النزعات العرقية المتعلقة بلون البشرة، وهي نتاج ميراث قديم من العلاقات المتوترة على خلفيَّة اللون، وثالثاً: لأنه لا يمكن تعميم الظاهرة على خلفيّة حالة واحدة أظهرها التقرير، ورابعاً: لأن هناك تهويلاً إعلامياً وسياسياً، يفوق ذلك الذي صاحب ما قامت به «داعش» من بيع للبشر في العراق وسوريا، وخاصة اليزيديين. وإذا كان مطلوباً رفض العبودية بكل أصنافها، فإن علينا عدم التغاضي عن اتّساع مساحة الاسترقاق في مرحلة ما بعد الرأسمالية، وما بعد العولمة التي تجتاح معظم الدول، في ظاهرة هي أقرب من ناحية التسمية إلى «عبيد العالم» ضمن أصناف وأشكال كثيرة من الاستعباد، وتحت صيغ مؤطرة قانوناً، مهمتها الدفاع على مصالح السّادة، وبعيداً عن كلّ هذا، لنتساءل هنا: لماذا لم تركز دول العالم عن الأسباب الكامنة وراء عودة العبودية من جديد في ليبيا بعد سبع سنوات من إسقاط نظام شرعي بدعم وتدخّل أجنبي؟ ما يحدث للمهاجرين الأفارقة اليوم في ليبيا، هو نتاج الفَوضى الدمويّة، وسَطوة الميليشيات، وهُروب نِصف سُكّان الجماهيرية كما تشير لذلك بعض المصادر بَحثاً عن الأمان في دُول الجِوار، وأيضاً هجرتهم إلى المنافي في الدول الأوروبية، وهذا مخالف لعهد معمر القذافي، الذي عمل على استثمار عشرات المِليارات من الدولارات لتنمية الاقتصاد في القارّة السوداء، وخَلْق فُرص العَمل الشريفة لأبنائها، وتأسيس الاتحاد الأفريقي على قواعد حديثة، ووفق نظامٍ أساسيٍّ مُتقدّمٍ جدًّا، وقد تمكّن من تغيير نظرة الأفارقة للعرب، وجعل مسألة العبودية حديثاً من الماضي على النحو الذي رأينا في رواية «زرايب العبيد» للكاتبة الليبية «نجوى بن شتوان»، التي كشفت فيها أسرار حقبة تاريخ العبودية في ليبيا. * كاتب وصحفي جزائري