بينما يشارف عام 2017 نهايته، ينشغل كثيرون في واشنطن بمناقشة ما كان يُعد في الماضي أمراً لا يمكن التفكير فيها: ماذا لو أمر الرئيس دونالد ترامب بضربة نووية غير متوقعة، على غرار تغريداته على تويتر؟ وفي إطار مائدة مستديرة جمعت خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي ثلة من مهنيي الأمن القومي الأميركي والمفكّرين ضمن ما يعرف بـ«منتدى هاليفاكس»، وناقشت هذا الموضوع تحت عنوان «الأسلحة النووية: النار والغضب»، صنع الجنرال جون هايتن، وهو الرجل الذي قد يأمره ترامب بإطلاق سلاح نووي، عناوين الأخبار. ذلك أنه عندما سُئل عن احتمالات رفضه أمراً غير قانوني، كان جوابه أنه بالطبع سيفعل. وقال هايتن: «إذا كان الأمر غير قانوني، فإنني سأقول: سيدي الرئيس، إن هذا الأمر غير قانوني، وعندها سيقول لي: وما هو الشيء القانوني؟». ثم أضاف: «سأعرض عليه مجموعة من الخيارات للرد على الوضع كيفما كان، فتلك هي الطريقة التي تسير بها الأمور، وهي ليست بالغة التعقيد». والواقع أنه من السهل فهم لماذا قد يبدو هذا مثيراً للقلق. صحيح أن ترامب هدّد في لحظة من اللحظات بـ«النار والغضب» إذا واصلت كوريا الشمالية تهديداتها. وصحيح أيضاً أنه كان معجباً بالأسلحة النووية لعقود، حيث سعى جاهداً في الثمانينيات لقيادة المفاوضات حول نزع التسلح مع الاتحاد السوفييتي نيابة عن الرئيس رونالد ريجان. غير أن الخطر الفوري حالياً لا يكمن في إمكانية أن يبدأ ترامب حرباً نووية، وإنما في أن بعض المواقف الأميركية باتت تبدو على نحو متزايد جوفاء وتفتقر للمصداقية. وهنا من المفيد التأمل في ما قاله هايتن قبل أن يدلي بتصريحاته الشهيرة في «نوفا سكوتيا». فلدى حديثه عن المخطط الأميركي لتحديث الترسانة النووية، قال هايتن إن هدفه هو «خلق مجال للدبلوماسية والعقوبات حتى تفعل مفعولها»، وهذا يعني الردع. وبالتالي، فحتى عندما يرفض هايتن أمراً غير قانوني، فإنه من المهم أن يصدّق خصوم أميركا أنها ستستخدم أسلحتها النووية إذا اقتضى الأمر ذلك. وحتى تؤدي التهديدات من ذلك القبيل هدفها، ينبغي أن تدرك كوريا الشمالية وروسيا وإيران والصين أن الرئيس هو القائد الممسك بزمام الأمور، وأن استراتيجية الحكومة وأعمالها تأتي من رئيسها التنفيذي. والحال أنه بخصوص كل السياسات الخارجية تقريباً، هناك هوة بين ما يقوله ترامب وما تفعله حكومته. فبخصوص روسيا، مثلاً، ما فتئ ترامب يقول إنه يريد علاقات جيدة مع الرئيس فلاديمير بوتين، غير أن وزارة الخارجية الأميركية أغلقت القنصلية وقاعدة التجسس الروسية في سان فرانسيسكو، ودبلوماسيو ترامب لم يبدوا أي مؤشر على رفع العقوبات التي يحاول بوتين إقناع أميركا برفعها منذ أن غزا أوكرانيا. وبخصوص إيران، يهدِّد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي إذا لم يعالج حلفاء الولايات المتحدة العيوب والنقائص التي تشوبه، لكن مستشاريه يطمئنون هؤلاء الحلفاء إلى أن قرار ترامب بـ«عدم الإقرار بالتزام إيران بالاتفاق» إنما هدفه خلق تأثير وبأنه ليس ثمة مخططات في الوقت الراهن لإعادة فرض العقوبات التي رفعها أوباما. وفي هذا الأثناء، وعد ترامب في أكتوبر الماضي بالبدء في التصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، لكنه هذا الشهر أصدر بياناً مشتركاً مع بوتين للعمل مع حليف إيران، روسيا، لإرساء الاستقرار في سوريا. عندما وصل ترامب إلى الرئاسة، كان الخوف هو أن تشكّل تغريداته وأقواله تغييرات جذرية في السياسة الداخلية والخارجية. وبعد 10 أشهر في الرئاسة، أظهر لنا أنها لا تفعل، وبالمقابل فإن الحكومة نفسها منفصلة عن الرجل الذي اختاره الأميركيون ليقودهم، كما يبدو على نحو متزايد أن مستشاري ترامب هم الذين يسيرّون رئيسهم. وذلك هو التحدي الحقيقي بالنسبة للاستراتيجية الأميركية اليوم. إذ حتى إذا أصدر ترامب أمراً فجأة بصب «الغضب والنار» على شبه الجزيرة الكورية، فالأرجح أن الجيش لن ينفذ هذا الأمر، ولا شك أن هذا يبعث على الارتياح قليلاً، لكنه دليل أيضاً على مشكلة أخرى: إن كلمة الرئيس غير مطاعة! فبعض التصريحات المتفاخرة ليست دليلاً على القيادة، وإنما هي شكل من أشكال التنازل والاستسلام. -------------------- *محلل سياسي أميركي ------------------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»