نعلم أن القارات سبع وليست ثماني، بين أوربا وآسيا وأفريقيا والأميركيتين وأستراليا والانتراكتيكا (القطب المتجمد الجنوبي) فهل ثمة خطأ مطبعي؟ الجواب: لا. إنها قارة زيلانديا، مساحتها 3,5 مليون كم مربع، أي أكبر من الهند وجرينلاند مجتمعتين! لكن كيف فاتت مهندس الخرائط العالمي جيمس كوك وهو يمر بجنبها ويطوف؟ الجواب يعود إلى طبيعة هذه القارة التي تبرز بأسنانها مثل سمك القرش من تحت الماء، في ثلاثة مواضع ضيقة نسبياً في جنوب المحيط الهادئ، هي نيوزيلندا وجزر فيشي وكاليدونيا الفرنسية، كما أنها ليست مثل قصة الأرض التي تحدث عنها أفلاطون، أي «أتلانتيس» المختفية تحت لجة الماء العميق! إنها غاطسة تحت الماء ولا يبرز منها سوى 6% فقط، أما القسم الأعظم (94% منها) فهو يسبح على عمق يتجاوز ألف متر. لقد رجعت مؤخراً بعثة علمية تضم 13 عالماً جيولوجياً (من 32 دولة) أمضت 9 أسابيع، وهي تعس في المنطقة، على ظهر سفينة، ثقَبت الصخور في 6 مواضع، واسمها «جويدس ريزولوشن»، وقد صلت لعمق 1328 متراً، وعادت محملة بغنائم رائعة من العصر الجيولوجي العتيق. إنها بقايا تعود إلى ملايين السنوات تحكي قصة القارة المختفية. ويقول جيري ديكنس، من جامعة رايس في هيوستن: «إن المخلفات التي أتوا بها تلقي الضوء على تاريخ هذه القارة العجوز (زيلانديا)، ويدل ما عثروا عليه من أبواغ وغبار طلع وعضويات في المياه القريبة، على أرض ذات بهجة للناظرين، من قارة ممتدة بين جبال شاهقات وممرات ووديان وطبيعة خلابة، وعلى الحياة التي عاشت في المياه المالحة الضحلة». والأفكار الأولى عن هذه القارة أنه قبل 100 مليون سنة كانت الانتراكتيكا وأستراليا وزيلاندا في كتلة واحدة هائلة اسمها قارة جوندوانا، فاجأتها التقلصات التكتونية الجبارة في قشرة الأرض، مما فلقها مزعا، ومنها انفلقت قارة «زيلاندا» زاحفة إلى الشمال متجهة إلى الجنوب الشرقي من المحيط الهادي. كانت القارة يومها فوق الماء، لكن مع جرها بعنفوان من هذه القوى التكتونية دفعها أن تغطس تحت لجة الماء. وحين كانت فوق الماء عاشت فيها الأوابد من الديناصورات والثدييات من الحجم الصغير، بالإضافة إلى نباتات السرخس وغابات الصنوبر، وكانت البراكين تنفث حمما فتسيل اللافا الحارقة على الأرض المعشوشبة. وفي رحلتها قبل 85 مليون سنة، عملت القوى التكتونية المخيفة على كسر الحلقات بين أستراليا وزيلانديا، وعلى رأسها برزت جزيرات متنافرات ويابسة بسيطة مثل أرض نيوزيلندا الحالية. وخلال هذه الرحلة نحفت قشرة القارة فأصبحت بين 10 و 30 كم. وقبل 30 مليون سنة كانت نيوزيلندا جافة، قبل أن ترفعها من جديد القوى التكتونية فتغير طبيعتها. هذا وقد ذكرت مجلة نيوزيلندا الجيولوجية (GSA Today) أنه يجب اعتبار قارة زيلاندا القارة الثامنة التي يجب تعميم دراستها في المدارس. كما حصل في علم الفلك من حذف بلوتو من المجمع الكوني، فهناك ما هو أكبر منه حذاء الغبار المتناهي من النظام الشمسي. وفي هذا يقول الجيولوجي نيك مورتايم: «إنه يجب اعتبارها قارة؛ لأنها تحقق الشروط العلمية المتفق عليها كي تصبح قارة، من مساحة هائلة، ومحتويات منوعة، وإن كانت القشرة أنحف من بقية قشرات القارات المحمولة على صفيحات لكنها أقوى، كما أن الصدع الموجود بينها وأستراليا، ولو أنها اقتربت منها بمسافة 25 كم، إلا أنها تنشق عنها وتبتعد في عمق 3600 متر على نحو أحادي». وحالياً يتم الاعتراف بالقارة الجديدة، ولو أنها مختفية في معظمها تحت الماء، لكنها تنتشر وتُخرِج رأسها مثل الحيتان في مناطق شتى من المحيط، وليس ثمة فكرة عن أراضٍ جديدة للاكتشاف فوق الأرض وتحت البحار. د. خالص جلبي