سيكون جاهلاً أو واهماً من يعتقد أن في عالم اليوم هنالك من يريد إشعال الحروب لمجرد الحروب، وإن حدث ووجد مثل هذا النفر من الناس، فإنهم لا شك غير طبيعيين. إن أية حرب هي عودة بالمجتمع إلى الخلف لسنوات عدّة أو عقود، ما يعني تخلفاً كُلّياً في مناحي الحياة كافة. ليس هنالك عاقلٌ في القرن الحادي والعشرين، ويتمتعُ بشيء من الحكمة والمعرفة، يمكن أن يعتبر الحرب مصدراً لنوع من الفرح أو لشكل من أشكال السعادة، إلا إذا كان يعاني من مرض مزمن يصعب الشفاء منه. الحربُ ليست نزهة يبدؤها المرء ساعة الصفر ويضع لنهايتها تاريخاً محدداً، ذلك ضربٌ من المستحيل. أغلب الحروب الطاحنة التي نشبت عبر التاريخ البشري، بما فيها الحربان العالميتان الأولى والثانية، أمكن وضع ساعة البدء لها، لكن بعد انطلاقها صعب تحديد تاريخ لإيقافها، ظل أغلبها جرحاً مفتوحاً على الزمن بمنادبها وأحزانها وويلاتها، لكن بالمقابل هنالك أنواع من الحروب لا بد لها من أن تقوم لتحقيق أهداف واضحة ومهمة، إما أن تكون تلك الأهداف سياسية لتحقيق غايات اجتماعية سامية، وإما أن يكون قيامها لإعادة حق مسلوب لأصحابه، ووضع أمور في نصابها الصحيح الذي ينبغي لها أن تعود إليه، وحروب كهذه غالباً ما تندرج في قائمة الحروب المفروضة، وهي حروب لا شك عادلة، بيد أن حتى الحروب العادلة لها آلامها وويلاتها، لكن ما قيمة الحياة إن خَلَت من عقيدة وموقف؟! في كتابه (أوروبيانا) وتحت عنوان (طابور الموتى)، يورد الكاتب التشيكي (باتريك أورشادنيك) بعض فظائع الحرب العالمية الأولى (يوليو 1914- نوفمبر 1918) التي راح ضحيتها 9 ملايين شخص، أن (طابور الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تلك الحرب كان طوله 2681 كيلومتراً، وطابور الجنود الإنجليز كان طوله 1547 كيلومتراً، والألمان 3010 كيلومترات. لقد كان إجمالي طابور الموتى في أنحاء العالم 15508 كيلومترات). من المؤكد أن لا أحد يريد أو يرغب في أية مواجهة حربية مع أي طرف، لا في منطقتنا الخليجية العربية ولا في أي مكان آخر في العالم، لكن الخشية من المواجهة العادلة وتجنبها، غالباً ما تكون نتيجة لتربية غير سويّة، فمواجهة كهذه إن أهملت، فقد تفضي إلى أمراض مؤذية تتعدى التنمية والمعرفة والنهوض في المجتمعات، لتصل إلى الكرامة الإنسانية للدول المستقلة، وتلك لعمري مسألة ثقيلة.