لاشك أن أمن المجتمع والحفاظ على استقراره يأتي دائماً على رأس الأولويات التي تسعى إليها الحكومات، بل هو ضرورة وجودية أزلية يبحث عنها الإنسان منذ القدم، ودعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام «ربِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثمَرَاتِ» خير مثال على ضرورة أن يكون عامل الأمن مقدَّماً على كل ما عداه، ومقترناً بطلب الرزق كما في قوله تعالى أيضاً في سورة قريش: «الذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»، فهما متلازمان لأنه بهما يكون قوام حياة الإنسان، فرداً كان أو جماعة. فالأمن والأمان ضرورة لوجود الإنسان وتوافر الحياة الكريمة له، ومن دونهما لا حياة ولا تنمية ولا اقتصاد ولا يمكن قيام مجتمع يحقق العدالة والفضيلة وعمارة العالم وبناء الحضارة. ومن هنا فإن الاستثمار في الأمن والأمان هو الاستثمار الحقيقي في التنمية، والاقتصاد، والطريق إلى بناء مجتمع المعرفة والاستقرار والازدهار. وشواهد الواقع الصعب الآن في العديد من الدول غير المستقرة يقدم من الأدلة ما يكفي للتأكيد على أن توفير رغد الحياة للشعوب والمجتمعات يبقى مستحيلاً دون وجود الأمان والاستقرار، فبهما وبهما وحدهما تتحقق النجاحات في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ويقوم المجتمع وتزدهر قيم الإبداع، وتنطلق الحياة الإنسانية متطلعة بثقة إلى آفاق المستقبل. واليوم تحتفل القيادة العامة لشرطة أبوظبي بالذكرى الـ60 لإنشائها، وهو يوم يسطّر في صفحاته الناصعة ما سجلته من نجاحات وإنجازات كبرى خلال العقود الستة الماضية. وعلى رغم التحديات التي واجهت شرطة أبوظبي في طور التأسيس، وأولها محدودية أعداد الكوادر والخبرات والإمكانيات حينها، إلا أنها استطاعت بفضل حكمة القيادة الرشيدة ودعمها الكريم اللامحدود، أن تحفظ الأمن وتبسط الأمان لأبناء هذا الوطن العزيز، والمقيمين على أرضه الطاهرة، كما أن تلك التحديات كانت أيضاً دافعاً للمؤسسين للجهاز الشرطي وللمجتمع ككل لبلوغ المزيد من التطور والتقدم المتواصلين في مختلف المجالات، إلى أن وصلت شرطة أبوظبي ضمن أهدافها الاستراتيجية في عام2017 للبدء في المعمل للتخطيط لدوريات فضائية، وإدخال الذكاء الاصطناعي في العمل الشرطي، والاستثمار الناجع في القطاع المعرفي الذي أوصل الشرطة إلى الجوائز الدولية في النجاح لمواكبة الأجهزة العالمية المماثلة في أعلى معدلات الجودة في الخدمة والأداء في مجال حفظ الأمن والخدمات الذكية، وتوفير كافة أسباب الاستقرار والازدهار. إن الإنجازات الكبيرة، وضعت شرطة أبوظبي في الطليعة على مستوى المؤسسات والأجهزة الشرطية عالمياً لتواصل دورها الريادي في تعزيز مسيرة الأمن والأمان، ونشر الطمأنينة في المجتمع بأساليب متطورة وممارسات متقدمة وراقية، حتى وصلت الشرطة إلى هذه الدرجة العالية من التألق والتفوق في الحفاظ على المكتسبات وتوفير السعادة والرفاهية في مجتمع الخير والعطاء. كما أن تراكم إنجازات الـ60 عاماً الماضية ربط أيضاً بين منجزات الجيل المؤسس والجيل الحالي في الحفاظ على مكتسبات الأمن والاستقرار، وضمِن مواكبة المستجدات والتقنيات العصرية في مجال العمل الشرَطي، حتى حصلت أبوظبي على مواقع ريادية في مؤشرات الأمن والسلامة كأكثر مدن العالم أماناً، متقدمة في ذلك على الكثير من المدن والعواصم الدولية الكبرى الأخرى. وقد سطّرت تقاليد العمل العلمي بروح التجديد والتطوير والريادة، مع الدعم الكبير والمتواصل من قبل القيادة الرشيدة، فصول مسيرة الأمن والأمان وتعزيز ثقة ورضا المجتمع عن الشرطة، فقد أظهر تقرير أصدره موقع «نومبيو» الأميركي المتخصص في رصد تفاصيل المعيشة في أغلب بلدان العالم، تصدر أبوظبي في عام 2017 في المركز الأول عالمياً كأكثر مدينة أماناً، متقدمة بذلك على أكثر من 300 مدينة عالمية من ضمنها مدينة ميونيخ الألمانية، وسنغافورة، ومونتريال الكندية، وطوكيو، وفيينا. وقد حصدت أبوظبي 86 نقطة في مؤشر المدن الأكثر أماناً على المستوى الدولي، مما جعلها المدينة الأقل جريمة في العالم، والحمد لله. إن ماضي شرطة أبوظبي زاخر بالإنجازات وحاضرها مليء بالنجاحات ومستقبلها كبير بالتطلعات والأهداف العظيمة التي تسعى لتحقيقها، مواصلة مسيرتها المظفرة بجهود صادقة وخطى واثقة لكسب كافة رهانات اليوم والغد، وما بعد الغد. فتحية إجلال وتقدير للعاملين في شرطة أبوظبي على جهودهم لحفظ الأمن وتحقيق استقرار المجتمع، وهنيئاً لهم الاحتفال بالذكرى الـ60 لمسيرة مكللة بأنواط الشجاعة وأوسمة الإنجاز، وشكراً لجميع من وضعوا بصماتهم وطاقاتهم في خدمة هذه المؤسسة العريقة والمدرسة الكبيرة من مدارس الوطنية والتضحية والفداء والإباء والانتماء والولاء للقيادة الرشيدة والوطن الكريم.