أصبح الحلال الْيَوْمَ التجارة الأكثر رواجاً في الأسواق العالمية، حيث تشهد اليوم منافسة شديدة من قبل بعض الدول والمؤسسات التجارية، التي تسعى إلى أن تصبح القبلة الجديدة للمستهلكين المسلمين أمام تزايد عددهم وانتشارهم تقريباً في كل بقاع الأرض كشعوب أو كأقليات. بالأمس انحسر مفهوم (الحلال) في الأطعمة أي في طريقة الذبح ومدى مطابقتها للشروط الشرعية التي يجب الالتزام بها عند كل ذبيحة لتصبح صالحة للأكل وفقاً لشرع الإسلامي، ومنها: أهلية الذابح، ويمكن أن يكون رجلاً أو امرأةً، والنطق بالبسملة قبل الذبح، والذبح بآلة حادة، وقطع الحلقوم والمريء والودجين الذين يقعان في عنق الحيوان من جهة الحلقوم، والتوجه ناحية القِبْلة. وتوجد كلمة مماثلة لها بالعبرية هي (كاشير) والتي يستخدمها أبناء العم للدلالة على الطعام المطابق لقواعد للديانة اليهودية وعادة تدل على اللحوم. ويذهب كثير من الخبراء الاقتصاديين والمهتمين بسوق الحلال العالمي إلى التأكيد بأن حجم السوق الاستهلاكية للمنتجات والخدمات العالمية المتوافقة مع أحكام الشرع الإسلامي ونظمه تبلغ قيمتها أكثر من 2.3 تريليون دولار سنوياً، إذ تشهد هذه الصناعة نمواً بمقدار 500 مليار دولار في العام، وتستهدف 1.8 مليار مستهلك، لتشمل القطاعات الغذائية وغير الغذائية، مثل مشتقات زيت النخيل وأدوات للتجميل والعناية الشخصية ومواد كيماوية وطبية، إلى جانب الكاكاو ووجبات الحبوب والقهوة. الدول الآسيوية تستهلك من تجارة الحلال العالمية نحو 63.3%، والدول الأفريقية نحو 23.8%، وتستهلك الدول الأوروبية نحو 10.2% من هذه التجارة، فيما تستهلك الدول الأميركية نحو 2.5% من تجارة الحلال في العالم، ذلك أن مفهوم منتجات الحلال لم يعد يتوقف على عبارة (ذبح على الطريقة الإسلامية)، بل اتسع ليشمل مستحضرات التجميل والجلود والحلوى وحسابات الإيداع في البنوك، وخدمات قطاع الفنادق وغيرها من الأمور الأخرى. دفع حجم هذه العائدات ونموها السريع بعض الدول للتنافس فيما بينها للاستثمار فيها باعتمادها للوائح ووضع معايير دولية للحلال لقطع الطريق أمام المتنافسات الأخرى الصاعدة، واهتمام دول أخرى أكثر استهلاكاً لمنتجات الحلال خشية تصنيعه محلياً بالتوافق مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، خصوصاً أن الأسواق العالمية قد شهدت الكثير من حالات الغش والتلاعب، التي تتعلق بمنتجات اللحوم والأطعمة الأخرى في سبيل تحقيق مصالح خاصة. فأطلقت مبادرات تنافسية من عدة دول إسلامية كماليزيا وإندونيسيا وتركيا من أجل تحويلها إلى «محور تجاري عالمي للمنتجات الحلال». وتقدر- على سبيل المثال لا الحصر- الصادرات تحت شعار «الحلال» لماليزيا حالياً بأنها تتجاوز عشرة مليارات دولار سنوياً، لتصبح ماليزيا أهم الدول المنتجة في العالم لمنتوجات الحلال المطلوبة في مختلف الصناعات، مثل المواد الغذائية والمشروبات ومستحضرات التجميل والطب والصحة والسياحة، لتغطي أسواقاً مربحة أهمها ولا سيما، الصين والولايات المتحدة وسنغافورة وإندونيسيا واليابان. مما أكسب ماليزيا تجربة رائدة وخبرة مميزة في مجال إدارة منتجات الحلال، ودفع باليابان والصين ودول أميركا اللاتينية إلى طلب مساعدة «هيئة تنمية صناعة الحلال الماليزية» لزيادة الوعي بأهمية الحلال وتطوير صناعته الخاصة بهم. لم تكتف شركات تسويق منتوجاتها الحلال على الطرق التقليدية، وإنما ستغزو عالم الفضاء الرقمي ليستخدم بشكل قوي لإيصال هذه المنتوجات إلى المستهلك ويروج لها عبر مواقع التسوق الإلكترونية. فظهرت خدمات جديدة للمستهلك المسلم للاستفادة من السوق المتنامية «لنمط حياة المسلم»، التي تتجاوز المأكولات لتشمل مجالات أخرى كالسياحة الحلال والموضة الحلال والبطاقات الائتمانية بل وحتى السباحة الحلال. فحجم المعاملات في السياحة الحلال مثلاً: من سفر وإقامة في فنادق تخدم النازلين وفق أحكام الشريعة الإسلامية (أكل حلال، أماكن الصلاة، مسابح غير مختلطة ومايوهات رجالية ونسائية حلال…) فقد أنفق المستهلكون المسلمون ما يقدر بنحو 160 مليار دولار في 2016 بناء على بيانات شركة «دينار ستاندرد للأبحاث» في نيويورك المتخصصة في دراسة الأسواق المسلمة. مما دفع بشركات تطوير خدماتها لهذه الشريحة من المستهلكين بأحداث برامج إلكترونية وتطبيقات للهواتف الذكية كـ«حلال تريب دوت كوم»، وبرنامج دليل سفر مشترك بين شركة «كريسنت رينتج» وشركة «ماستركارد بوش»، لتحديد وجهات «مقبولة إسلامياً» لقضاء العطلات واجتماعات المؤسسات، مع تسهيل الوصول للمطاعم التي تقدم مأكولات مطابقة للشريعة الإسلامية وأماكن العبادة وغيرها من الخدمات. المفارقة أن جدوى هذا السوق في فرنسا دفع اليهود في المتاجرة به بدلاً من «كاشير» فأقاموا المصانع والمذابح، بل خصصت محلات كويك الفرنسية المنافسة لماكدونالدز الأميركية، نصف سلسلتها لتقديم اللحوم الحلال، وكانت المفاجأة كبيرة حققت في سنة واحدة أكثر من 4 مليارات يورو ربح صافي، أما الطريف فإنك حينما تتجول في أسواق والمطاعم الصينية تجد شعار حلال على الأسماك وعلى المياه، كما عكفت المتاجر الكبرى في فرنسا كأوشون وكارفور ولكليرك على تخصيص أجزاء كاملة للحلال، ويقول القائمون عليها بأن أرباحها مؤكدة، بل وتتوسع خصوصاً في شهر رمضان، حيث تحقق متاجر فرنسا أرباحاً تفوق أرباحها السنوية، لكن للأسف دفع بعض الخبثاء في استغلال شعار الحلال في بيع لحوم غير حلال، بل أحياناً تشمل لحوم الخنازير والحمير، كما دفع بعض تجار عرب المهجر في المتاجر والمجازر والمطاعم العربية بوضع شعار «حلال» على لحوم غير مذبوحة للتربح السريع، ولا بد هنا من هيئة إسلامية للمراقبة لتضع بعد فحوصاتها شعار «حرام» على منتوجاتهم من اللحوم المصعوقة كهربائياً أو منخنقة ليتبن المسلم الخبيث من الطيب. ويبقى السؤال قائماً، هل سيتطور سوق الحلال لمواجهة تحديات الأسواق العالمية، فيصبح أحد ركائز التنمية؟ وأسألكم بدوري هل (الحلال) بالنسبة إلينا مسألة دينية أم ثقافية أم أصبح «بيزنيس»؟ «ميد حلال»!